للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفضل من ألف ركعة من غير عالم لأنه يعلم آفات النفوس ومكايد الشيطان ومواضع الغرور فيتقى ذلك والجاهل لا يعرفه فكيف يحترز منه فلا يزال الجاهل في تعب والشيطان منه في فرح وشماته فنعوذ بالله من الجهل والغفلة فهو رأس كل شقاوة وأساس كل خسران

فحكم الله تعالى على كل عبد أن يراقب نفسه عند همه بالفعل وسعيه بالجارحة فيتوقف عن الهم وعن السعي حتى ينكشف له بنور العلم أنه لله تعالى فيمضيه أو هو لهوى النفس فيتقيه ويزجر القلب عن الفكر فيه وعن الهم به فإن الخطوة الأولى في الباطل إذا لم تدفع أورثت الرغبة والرغبة تورث الهم والهم يورث جزم القصد والقصد يورث الفعل والفعل يورث البوار والمقت فينبغى أن تحسم مادة الشر من منبعه الأول وهو الخاطر فإن جميع ما وراءه يتبعه

ومهما أشكل على العبد ذلك وأظلمت الواقعة فلم ينكشف له فيتفكر في ذلك بنور العلم ويستعيذ بالله من مكر الشيطان بواسطة الهوى فإن عجز عن الاجتهاد والفكر بنفسه فيستضىء بنور علماء الدين وليفر من العلماء المضلين المقبلين على الدنيا فراره من الشيطان بل أشد فقد أوحى الله تعالى إلى داود عليه السلام لاتسأل عنى عالما أسكره حب الدنيا فيقطعك عن محبتي أولئك قطاع الطريق على عبادي فالقلوب المظلمة بحب الدنيا وشدة الشرة والتكآلب عليها محجوبة عن نور الله تعالى فإن مستضاء أنوار القلوب حضرة الربوبية فكيف يستضئ بها من أستدبرها وأقبل على عدوها وعشق بغيضها ومقيتها وهي شهوات الدنيا فلتكن همه المريد أولا في أحكام العلم أو في طلب عالم معرض عن الدنيا أو ضعيف الرغبة فيها إن لم يجد من هو عديم الرغبة فيها وقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن الله يحب البصر الناقد عند ورود الشبهات والعقل الكامل عند هجوم الشهوات (١) جمع بين الأمرين وهما متلازمان حقا فمن ليس له عقل وازع عن الشهوات فليس له بصر ناقد في الشبهات

ولذلك قال عليه السلام من قارف ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبدا (٢) فما قدر العقل الضعيف الذي سعد الآدمي به حتى يعمد إلى محوه ومحقه بمقارنة الذنوب ومعرفة آفات الأعمال قد اندرست في هذه الأعصار فإن الناس كلهم قد هجروا هذه العلوم واشتغلوا بالتوسط بين الخلق في الخصومات الثائرة في اتباع الشهوات وقالوا هذا هو الفقة وأخرجوا هذا العلم الذي هو فقه الدين عن جملة العلوم وتجردوا لفقه الدنيا الذى ما قصد به الا دفع الشواغل عن القلوب ليتفرغ لفقه الدين فكان فقه الدنيا من الدين بواسطة هذا الفقه

وفي الخبر أنتم اليوم في زمان خيركم فيه المسارع وسيأتى عليكم زمان خيركم فيه المتثبت (٣) ولهذا توقف طائفة من الصحابة في القتال مع أهل العراق وأهل الشام لما أشكل عليهم الأمر كسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وأسامة ومحمد بن مسلمة وغيرهم

فمن لم يتوقف عند الاشتباه كان متبعا لهواه معجبا برأيه وكان ممن وَصَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذ قال فإذا رأيت شحا مطاعاً وهوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك وكل من خاض في شبهه بغير تحقيق فقد خالف قوله تعالى ولا تقف ما ليس لك به علم (٤) وقوله عليه السلام إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث (٥) وأراد به ظنا بغير دليل كما يستفتى بعض العوام قلبه فيما أشكل عليه ويتبع ظنه ولصعوبة هذا الأمر وعظمة كان دعاء الصديق رضي الله تعالى عنه اللهم أرني الحق حقاً وارزقنى اتباعه وأرني الباطل باطلا وارزقنى اجتنابه ولا تجعله متشابها على فأتبع الهوى وقال عيسى عليه


(١) أخرجه أبو نعيم في الحلية من حديث عمران بن حصين وفيه حفص بن عمر العدنى ضعفه الجمهور
(٢) حديث من قارف ذنباً فارقه عقل لا يعود إليه أبدا تقدم ولم أجده
(٣) حديث أنتم اليوم في زمان خيركم فيه المسارع وسيأتي عليكم زمان خيركم فيه المتثبت لم أجده
(٤) حديث فإذا رأيت شحا مطاعاً وهوى متبعا الحديث تقدم
(٥) حديث إياكم والظن الحديث تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>