وَالذَّكَاءَ وَالْفِطْنَةَ وَأَنْتِ أَشَدُّ النَّاسِ غَبَاوَةً وَحُمْقًا أَمَا تَعْرِفِينَ مَا بَيْنَ يَدَيْكِ مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَأَنَّكِ صَائِرَةٌ إِلَى إِحْدَاهُمَا عَلَى الْقُرْبِ فما لك تفرحين وتضحكين وتشتغلين باللهو وأنت مطلوبة لهذا الخطب الجسيم وعساك اليوم تختطفين أو غدا فأراك ترين الموت بعيدا ويراه الله قريبا أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ كُلَّ مَا هُوَ آتٍ قريب وأن البعيد ما ليس بآت أما تعلمين أن الموت يأتى بغتة من غير تقديم رسول ومن غير مواعدة ومواطأة وأنه لا يأتى في شيء دون شيء ولا في شتاء دون صيف ولا في صيف دون شتاء ولا في نهار دون ليل ولا في ليل دون نهار ولا يأتى في الصبا دون الشباب ولا في الشباب دون الصبا بل كل نفس من الأنفاس يمكن أن يكون فيه الموت فجأة فإن لم يكن الموت فجأة فيكون المرض فجأة ثم يفضى إلى الموت فما لك لا تستعدين للموت وهو أقرب إليك من كل قريب أَمَا تَتَدَبَّرِينَ قَوْلَهُ تَعَالَى اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يلعبون لاهية قلوبهم وَيْحَكِ يَا نَفْسُ إِنْ كَانَتْ جَرَاءَتُكِ عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ لِاعْتِقَادِكِ أَنَّ اللَّهَ لَا يَرَاكِ فَمَا أَعْظَمَ كُفْرَكِ وَإِنْ كَانَ مَعَ عِلْمِكِ بِاطِّلَاعِهِ عَلَيْكِ فَمَا أَشَدَّ وَقَاحَتَكِ وَأَقَلَّ حَيَاءَكِ وَيْحَكِ يَا نَفْسُ لَوْ وَاجَهَكِ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِكِ بَلْ أَخٌ مِنْ إِخْوَانِكِ بِمَا تَكْرَهِينَهُ كَيْفَ كَانَ غَضَبُكِ عَلَيْهِ وَمَقْتُكِ لَهُ فَبِأَيِّ جَسَارَةٍ تَتَعَرَّضِينَ لِمَقْتِ اللَّهِ وَغَضَبِهِ وَشَدِيدِ عِقَابِهِ أَفَتَظُنِّينَ أَنَّكِ تُطِيقِينَ عَذَابَهُ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ جَرِّبِي نَفْسَكِ إِنْ أَلْهَاكِ الْبَطَرُ عَنْ أَلِيمِ عَذَابِهِ فَاحْتَبِسِي سَاعَةً فِي الشَّمْسِ أَوْ فِي بَيْتِ الْحَمَّامِ أَوْ قَرِّبِي أُصْبُعَكِ مِنَ النَّارِ لِيَتَبَيَّنَ قدر طاقتك أمتغترين بكرم الله وفضله واستغنائه عن طاعتك وعبادتك فَمَا لَكِ لَا تُعَوِّلِينَ عَلَى كَرَمِ اللَّهِ تعالى في مهمات دنياك فإذا قصدك عدو فلم تستنبطين الحيل في دفعه ولا تكلينه إلى كرم الله تعالى وإذا أَرْهَقَتْكِ حَاجَةٌ إِلَى شَهْوَةٍ مِنْ شَهَوَاتِ الدُّنْيَا مِمَّا لَا يَنْقَضِي إِلَّا بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ فَمَا لَكِ تَنْزِعِينَ الرُّوحَ فِي طَلَبِهَا وَتَحْصِيلِهَا مِنْ وجوه الحيل فلا تُعَوِّلِينَ عَلَى كَرَمِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَعْثُرَ بِكِ عَلَى كَنْزٍ أَوْ يُسَخِّرَ عَبْدًا مِنْ عبيده فيحمل إليك حاجتك مِنْ غَيْرِ سَعْيٍ مِنْكِ وَلَا طَلَبٍ أَفَتَحْسَبِينَ أَنَّ اللَّهَ كَرِيمٌ فِي الْآخِرَةِ دُونَ الدُّنْيَا وَقَدْ عَرَفْتِ أَنَّ سُنَّةَ اللَّهِ لَا تَبْدِيلَ لَهَا وَأَنَّ رَبَّ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا وَاحِدٌ وَأَنْ ليس للإنسان إلا ما سعى
ويحك يا نفس ما أعجب نفاقك ودواعيك الباطلة فإنك تدعين الإيمان بلسانك وأثر النفاق ظاهر عليك ألم يقل لك سيدك ومولاك وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها وقال في أمر الآخرة وأن ليس للإنسان إلا ما سعى فقد تكفل لك بأمر الدنيا خاصة وصرفك عن السعى فيها فكذبته بأفعالك وأصبحت تتكالبين على طلبها تكالب المدهوش المستهتر ووكل أمر الآخرة إلى سعيك فأعرضت عنها إعراض المغرور المستحقر ما هذا من علامات الإيمان لو كان الإيمان باللسان فلم كان المنافقون في الدرك الأسفل من النار ويحك يا نفس كأنك لا تؤمنين بيوم الحساب وتظنين أنك إذا مت انفلت وتخلصت وهيهات أتحسبين أنك تتركين سدى ألم تكونى نطفة من مني يمنى ثم كنت علقة فخلق فسوى أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى فإن كان هذا من إضمارك فما أكفرك وأجهلك أما تتفكرين أنه مماذا خلقك من نطفة خلقك فقدرك ثم السبيل يسرك ثم أماتك فأقبرك أفتكذبينه في قوله
ثم إذا شاء أنشرك فإن لم تكونى مكذبة فما لك لا تأخذين حذرك ولو أن يهوديا أخبرك في ألذ أطعمتك بأنه يضرك في مرضك لصبرت عنه وتركته وجاهدت نفسك فيه أفكان قول الأنبياء المؤيدين بالمعجزات وقول الله تعالى في كتبه المنزلة أقل عندك تأثيرا من قول يهودى يخبرك عن حدس وتخمين وظن مع نقصان عقل وقصور علم والعجب أنه لو أخبرك طفل بأن في ثوبك عقربا لرميت ثوبك في الحال من غير مطالبة له بدليل وبرهان أفكان قول الأنبياء والعلماء والحكماء وكافة