والحكماء بعقل هؤلاء المنكبين على الدنيا واقتدى من الفريقين بمن هو أعقل عندك إن كنت تعتقدين في نفسك العقل والذكاء
يا نفس ما أعجب أمرك وأشد جهلك وأظهر طغيانك عجبا لك كيف تعمين عن هذه الأمور الواضحة الجليلة ولعلك يا نفس أسكرك حب الجاه وأدهشك عن فهمها أو ما تتفكرين أن الجاه لا معنى له إلا ميل القلوب من بعض الناس إليك فاحسبى أن كل من على وجه الأرض سجد لك وأطاعك أفما تعرفين أنه بعد خمسين سنة لا تبقين انت ولا أحد ممن على وجه الأرض ممن عبدك وسجد لك وسيأتى زمان لا يبقى ذكرك ولا ذكر من ذكرك كما أتى على الملوك الذين كانوا من قبلك فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا فكيف تبيعين يا نفس ما يبقى أبد الآباد بما لا يبقى أكثر من خمسين سنة إن بقى هذا إن كنت ملكا من ملوك الأرض سلم لك الشرق والغرب حتى أذعنت لك الرقاب وانتظمت لك الأسباب كيف ويأبى إدبارك وشقاوتك أن يسلم لك أمر محلتك بل أمر دارك فضلا عن محلتك فإن كنت يا نفس لا تتركين الدنيا رغبة في الآخرة لجهلك وعمى بصيرتك فما لك لا تتركينها ترفعا عن خسة شركائها وتنزها عن كثرة عنائها وتوقيا من سرعة فنائها أم ما لك لا تزهدين في قليلها بعد أن زهد فيك كثيرها وما لك تفرحين بدنيا إن ساعدتك فلا تخلو بلدك من جماعة من اليهود والمجوس يسبقونك بها ويزيدون عليك في نعيمها وزينتها فأف لدنيا يسبقك بها هؤلاء الأخساء فما أجهلك وأخس همتك وأسقط رأيك إذ رغبت عن ان تكونى في زمرة المقربين من النبيين والصديقين في جوار رب العالمين أبد الآبدين لتكونى في صف النعال من جملة الحمقى الجاهلين أياما قلائل فيا حسرة عليك إن خسرت الدنيا والدين فبادرى ويحك يا نفس فقد أشرفت على الهلاك واقترب الموت وورد النذير فمن ذا يصلى عنك بعد الموت ومن ذا يصوم عنك بعد الموت ومن ذا يترضى عنك ربك بعد الموت
ويحك يا نفس مالك إلا أيام معدودة هى بضاعتك إن اتجرت فيها وقد ضيعت أكثرها فلو بكيت بقية عمرك على ما ضيعت منها لكنت مقصرة في حق نفسك فكيف إذا ضيعت البقية وأصررت على عادتك أما تعلمين يا نفس أن الموت موعدك والقبر بيتك والتراب فراشك والدود أنيسك والفزع الأكبر بين يديك أما علمت يا نفس أن عسكر الموتى عندك على باب البلد ينتظرونك وقد آلوا على أنفسهم كلهم بالأيمان المغلظة أنهم لا يبرحون من مكانهم ما لم يأخذوك معهم أما تعلمين يا نفس أنهم يتمنون الرجعة إلى الدنيا يوما ليشتغلوا بتدارك ما فرط منهم وأنت في أمنيتهم ويوم من عمرك لو بيع منهم بالدنيا بحذافيرها لا شتروه لو قدروا عليه وأنت تضيعين أيامك في الغفلة والبطالة ويحك يا نفس أما تستحيين تزينين ظاهرك للخلق وتبارزين الله في السر بالعظائم أفتستحيين من الخلق ولا تستحيين من الخالق ويحك أهو أهون الناظرين عليك أتأمرين الناس بالخير وأنت متلطخة بالرذائل تدعين إلى الله وأنت عنه فارة وتذكرين بالله وأنت له ناسية أما تعلمين يا نفس أن المذنب أنتن من العذرة وأن العذرة لا تطهر غيرها فلم تطمعين في تطهير غيرك وأنت غير طيبة في نفسك ويحك يا نفس لو عرفت نفسك حق المعرفة لظننت أن الناس ما يصيبهم بلاء إلا بشؤمك ويحك يا نفس قد جعلت نفسك حمارا لإبليس يقودك إلى حيث يريد ويسخر بك ومع هذا فتعجبين بعملك وفيه من الآفات ما لو نجوت منه رأسا برأس لكان الربح في يديك وكيف تعجبين بعملك مع كثرة خطاياك وزللك وقد لعن الله إبليس بخطيئة واحدة بعد أن عبده مائتى ألف سنة وأخرج آدم من الجنة بخطيئة واحدة مع كونه نبيه وصفيه ويحك يا نفس ما أغدرك ويحك يا نفس ما أوقحك ويحك يا نفس ما أجهلك وما أجرأك على المعاصى ويحك كم تعقدين فتنقضين ويحك كم تعهدين فتغدرين ويحك يا نفس أتشتغلين مع هذه الخطايا بعمارة دنياك كأنك غير