للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نور الأجسام بنور الشمس المضيئة بنفسها ومهما انكشف بعض الشمس فقد جرت العادة بأن يوضع طشت ماء حتى ترى الشمس فيه ويمكن النظر إليها فيكون الماء واسطة يغض قليلا من نور الشمس حتى يطاق النظر إليها فكذلك الأفعال واسطة نشاهد فيها صفات الفاعل ولا نبهر بأنوار الذات بعد أن تباعدنا عنها بواسطة الأفعال

فهذا سر قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَكَّرُوا فِي خَلْقِ الله ولا تتفكروا في ذات الله تعالى

بَيَانُ كَيْفِيَّةِ التَّفَكُّرِ فِي خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى

اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَا فِي الْوُجُودِ مِمَّا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ فِعْلُ اللَّهِ وَخَلْقُهُ وكل ذرة من الذرات من جوهر وعرض وصفة وموصوف فَفِيهَا عَجَائِبُ وَغَرَائِبُ تَظْهَرُ بِهَا حِكْمَةُ اللَّهِ وَقُدْرَتُهُ وَجَلَالُهُ وَعَظَمَتُهُ وَإِحْصَاءُ ذَلِكَ غَيْرُ مُمْكِنٍ لأنه لو كان البحر مداداً لذلك لنفد البحر قبل أن ينفد عشر عشيره

ولكنا نشير إلى جمل منه ليكون ذلك كالمثال لماعداه

فنقول الموجودات المخلوقة منقسمة الى مالا يعرف أصلها فلا يمكننا التفكر فيها وكم من الموجودات التى لا نعلمها كما قال الله تعالى ويخلق ما لا تعلمون سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون {وقال} وننشئكم فيما لا تعلمون {وإلى} ما يعرف أصلها وجملتها ولا يعرف تفصيلها فيمكننا أن نتفكر في تفصيلها

وهي منقسمة إلى ما أدركناه بحس البصر وإلى ما لا ندركه بالبصر أما الذي لا ندركه بالبصر فكالملائكة والجن والشياطين والعرش والكرسي وغير ذلك

ومجال الفكر في هذه الأشياء مما يضيق ويغمض

فلنعدل إلى الأقرب إلى الأفهام وهي المدركات بحس البصر وذلك هو السموات السبع والأرض وما بينهما فالسموات مشاهدة بكواكبها وشمسها وقمرها وحركتها ودورانها في طلوعها وغروبها والأرض مشاهدة بما فيها من جبالها ومعادنها وأنهارها وبحارها وحيوانها ونباتها وما بين السماء والأرض وهو الجو مدرك بغيومها وأمطارها وثلوجها ورعدها وبرقها وصواعقها وشهبها وعواصف رياحها

فهذه هي الأجناس المشاهدة من السموات والأرض وما بينهما وكل جنس منها ينقسم إلى أنواع وكل نوع ينقسم إلى أقسام ويتشعب كل قسم إلى أصناف

ولا نهاية لانشعاب ذلك وانقسامه في اختلاف صفاته وهيآته ومعانيه الظاهرة والباطنة وجميع ذلك مجال الفكر

فلا تتحرك ذرة في السموات والأرض من جماد ولا نبات ولا حيوان ولا فلك ولا كوكب إلا والله تعالى هو محركها وفي حركتها حكمة أو حكمتان أو عشر أو ألف حكمة كل ذلك شاهد لله تعالى بالوحدانية ودال على جلاله وكبريائه وهي الآيات الدالة عليه

وقد ورد القرآن بالحث على التفكر في هذه الايات كما قال الله تعالى إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب وكما قال تعالى ومن آياته من أول القرآن إلى آخره فلنذكر كيفية الفكر في بعض الآيات

فمن آياته الْإِنْسَانُ الْمَخْلُوقُ مِنَ النُّطْفَةِ وَأَقْرَبُ شَيْءٍ إِلَيْكَ نَفْسُكَ وَفِيكَ مِنَ الْعَجَائِبِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَا تَنْقَضِي الْأَعْمَارُ فِي الْوُقُوفِ على عشر عشيره وأنت غافل عنه

فيامن هُوَ غَافِلٌ عَنْ نَفْسِهِ وَجَاهِلٌ بِهَا كَيْفَ تَطْمَعُ فِي مَعْرِفَةِ غَيْرِكَ وَقَدْ أَمَرَكَ اللَّهُ تَعَالَى بِالتَّدَبُّرِ فِي نَفْسِكَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ فقال وفي أنفسكم أفلا تبصرون وذكر أنك مَخْلُوقٌ مِنْ نُطْفَةٍ قَذِرَةٍ فَقَالَ قُتِلَ الْإِنْسَانُ ما أكفره من أي شئ خَلَقَهُ مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ ثُمَّ إِذَا شَاءَ أنشره وَقَالَ تَعَالَى وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تراب ثم إذا أنتم بشر تنتشرون وقال تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>