للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعل النقاش ولا خلقه بل هو من خلق غيره وإنما منتهى فعله الجمع بين الصبغ والحائط على ترتيب مخصوص فيكثر تعجبك منه وتستعظمه

وَأَنْتَ تَرَى النُّطْفَةَ الْقَذِرَةَ كَانَتْ مَعْدُومَةً فَخَلَقَهَا خَالِقُهَا فِي الْأَصْلَابِ وَالتَّرَائِبِ ثُمَّ أَخْرَجَهَا مِنْهَا وَشَكَّلَهَا فَأَحْسَنَ تَشْكِيلَهَا وَقَدَّرَهَا فَأَحْسَنَ تَقْدِيرَهَا وَتَصْوِيرَهَا وَقَسَّمَ أَجْزَاءَهَا الْمُتَشَابِهَةَ إِلَى أَجْزَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ فَأَحْكَمَ الْعِظَامَ فِي أَرْجَائِهَا وَحَسَّنَ أَشْكَالَ أَعْضَائِهَا وَزَيَّنَ ظَاهِرَهَا وَبَاطِنَهَا وَرَتَّبَ عُرُوقَهَا وَأَعْصَابَهَا وَجَعَلَهَا مَجْرًى لِغِذَائِهَا لِيَكُونَ ذَلِكَ سَبَبَ بَقَائِهَا وَجَعَلَهَا سَمِيعَةً بصيرة عالمة ناطفة وَخَلَقَ لَهَا الظَّهْرَ أَسَاسًا لِبَدَنِهَا وَالْبَطْنَ حَاوِيًا لِآلَاتِ غِذَائِهَا وَالرَّأْسَ جَامِعًا لِحَوَاسِّهَا فَفَتَّحَ الْعَيْنَيْنِ ورتب طبقاتها وأحسن شكلها ولونها وهيئاتها ثُمَّ حَمَاهَا بِالْأَجْفَانِ لِتَسْتُرَهَا وَتَحْفَظَهَا وَتَصْقُلَهَا وَتَدْفَعَ الْأَقْذَاءَ عَنْهَا ثُمَّ أَظْهَرَ فِي مِقْدَارِ عَدَسَةٍ منها صورة السموات مَعَ اتِّسَاعِ أَكْنَافِهَا وَتَبَاعُدِ أَقْطَارِهَا فَهُوَ يَنْظُرُ إليها ثم شق أذنيه وَأَوْدَعَهُمَا مَاءً مُرًّا لِيَحْفَظَ سَمْعَهَا وَيَدْفَعَ الْهَوَامَّ عنها وحوطها بصدقة الْأُذُنِ لِتَجْمَعَ الصَّوْتَ فَتَرُدَّهُ إِلَى صِمَاخِهَا وَلِتُحِسَّ بِدَبِيبِ الْهَوَامِّ إِلَيْهَا وَجَعَلَ فِيهَا تَحْرِيفَاتٍ وَاعْوِجَاجَاتٍ لِتَكْثُرَ حَرَكَةُ مَا يَدُبُّ فِيهَا وَيَطُولَ طَرِيقُهُ فَيَتَنَبَّهَ مِنَ النَّوْمِ صَاحِبُهَا إِذَا قَصَدَهَا دَابَّةٌ فِي حَالِ النَّوْمِ ثُمَّ رَفَعَ الْأَنْفَ مِنْ وَسَطِ الْوَجْهِ وَأَحْسَنَ شَكْلَهُ وَفَتَحَ مَنْخَرَيْهِ وَأَوْدَعَ فيه حاسه الشم ليستدل باستنشاق الروايح على مطاعمه وأغذيته وليستنشقة بِمَنْفَذِ الْمَنْخَرَيْنِ رَوْحَ الْهَوَاءِ غِذَاءً لِقَلْبِهِ وَتَرْوِيحًا لِحَرَارَةِ بَاطِنِهِ وَفَتَحَ الْفَمَ وَأَوْدَعَهُ اللِّسَانَ نَاطِقًا وترجما وَمُعْرِبًا عَمَّا فِي الْقَلْبِ وَزَيَّنَ الْفَمَ بِالْأَسْنَانِ لتكون آلَةَ الطَّحْنِ وَالْكَسْرِ وَالْقَطْعِ فَأَحْكَمَ أُصُولَهَا وَحَدَّدَ رءوسها وبيض لونها ورتب صفوفها متساوية الرءوس مُتَنَاسِقَةَ التَّرْتِيبِ كَأَنَّهَا الدَّرُّ الْمَنْظُومُ وَخَلَقَ الشَّفَتَيْنِ وَحَسَّنَ لَوْنَهَا وَشَكْلَهَا لِتَنْطَبِقَ عَلَى الْفَمِ فَتَسُدَّ منفذه وليتم بها حروف الكلام وخلق الْحَنْجَرَةَ وَهَيَّأَهَا لِخُرُوجِ الصَّوْتِ وَخَلَقَ لِلِّسَانِ قُدْرَةً للحركات والتقطيعات لتتقطع الصَّوْتَ فِي مَخَارِجَ مُخْتَلِفَةٍ تَخْتَلِفُ بِهَا الْحُرُوفُ لِيَتَّسِعَ بِهَا طَرِيقُ النُّطْقِ بِكَثْرَتِهَا ثُمَّ خَلَقَ الْحَنَاجِرَ مُخْتَلِفَةَ الْأَشْكَالِ فِي الضِّيقِ وَالسَّعَةِ وَالْخُشُونَةِ وَالْمَلَاسَةِ وَصَلَابَةِ الْجَوْهَرِ وَرَخَاوَتِهِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ بِسَبَبِهَا الْأَصْوَاتُ فَلَا يَتَشَابَهُ صَوْتَانِ بَلْ يظهر بين كل صوتين فرقا حَتَّى يُمَيِّزَ السَّامِعُ بَعْضَ النَّاسِ عَنْ بَعْضٍ بِمُجَرَّدِ الصَّوْتِ فِي الظُّلْمَةِ ثُمَّ زَيَّنَ الرَّأْسَ بِالشَّعَرِ وَالْأَصْدَاغِ وَزَيَّنَ الْوَجْهَ بِاللِّحْيَةِ وَالْحَاجِبَيْنِ وَزَيَّنَ الْحَاجِبَ بِرِقَّةِ الشَّعَرِ وَاسْتِقْوَاسِ الشَّكْلِ وَزَيَّنَ الْعَيْنَيْنِ بِالْأَهْدَابِ

ثُمَّ خَلَقَ الْأَعْضَاءَ الْبَاطِنَةَ وَسَخَّرَ كُلَّ وَاحِدٍ لِفِعْلٍ مَخْصُوصٍ فَسَخَّرَ الْمَعِدَةَ لِنُضْجِ الْغِذَاءِ والكبد لإحالة الغذاء إلى الدم والطحال والمرارة والكلية لخدمة الكبد فالطحال يخدمها بجذب السوداء عنها والمرارة تخدمها بجذب الصفراء عنها والكلية تخدمها بجذب المائية عنها والمثانة تخدم الكلية بقبول الماء عنها ثم تُخْرِجَهُ فِي طَرِيقِ الْإِحْلِيلِ وَالْعُرُوقَ تَخْدِمُ الْكَبِدَ فِي إِيصَالِ الدَّمِ إِلَى سَائِرِ أَطْرَافِ الْبَدَنِ ثُمَّ خَلَقَ الْيَدَيْنِ وَطَوَّلَهُمَا لِتَمْتَدَّ إِلَى الْمَقَاصِدِ وَعَرَّضَ الْكَفَّ وَقَسَّمَ الْأَصَابِعَ الْخَمْسَ وَقَسَّمَ كُلَّ أصبع بثلاث أنامل ووضع الأربعة فِي جَانِبٍ وَالْإِبْهَامَ فِي جَانِبٍ لِتَدُورَ الْإِبْهَامُ على الجميع ولو اجتمع الأولون والآخرون على أن يستنبطوا بدقيق الفكر وجها آخر فى وضع الأصابع سوى ما وضعت عليه من بعد الإبهام عن الأربع وتفاوت الأربع فى الطول وترتيبها فى صف واحد لم يقدروا عليه إذ بهذا الترتيب صلحت اليد للقبض والإعطاء فإن بسطها كانت له طبقا يضع عليها ما يريد وإن جمعها كانت له آلة للضرب وإن ضمها ضما غير تام كانت مغرفة له وإن بسطها وضم أصابعها كانت مجرفة له ثم خلق الأظفار على رءوسها زِينَةً لِلْأَنَامِلِ وَعِمَادًا لَهَا مِنْ وَرَائِهَا حَتَّى لا تنقطع وَلِيَلْتَقِطَ بِهَا الْأَشْيَاءَ الدَّقِيقَةَ الَّتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>