للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد ويهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل (١) وقيل بينما عيسى عليه السلام جالس وشيخ يعمل بمسحاة يثير بها الأرض فقال عيسى اللهم أنزع منه الأمل فوضع الشيخ المسحاة واضطجع فلبث ساعة فقال عيسى اللهم اردد إليه الأمل فقام فجعل يعمل فسأله عيسى عن ذلك فقال بينما أنا أعمل إذ قالت لي نفسي إلى متى تعمل وأنت شيخ كبير فألقيت المسحاة واضطجعت ثم قالت لي نفسي والله لا بد لك من عيش ما بقيت فقمت إلى مسحاتي

وقال الحسن قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أكلكم يحب أن يدخل الجنة قالوا نعم يا رسول الله قال قصروا من الأمل وثبتوا آجالكم بين أبصاركم واستحيوا من الله حق الحياء (٢) وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دعائه اللهم إني أعوذ بك من دنيا تمنع خير الآخرة وأعوذ بك من حياة تمنع خير الممات وأعوذ بك من أمل يمنع خير العمل (٣)

الآثار قال مطرف بن عبد الله لو علمت متى أجلي لخشيت على ذهاب عقلي ولكن الله تعالى من على عباده بالغفلة عن الموت ولولا الغفلة ما تهنأوا بعيش ولا قامت بينهم الأسواق

وقال الحسن السهو والأمل نعمتان عظيمتان على بني آدم ولولاهما ما مشى المسلمون في الطرق وقال الثوري بلغني أن الإنسان خلق احمق ولولا ذلك لم يهنأه العيش وقال أبو سعيد بن عبد الرحمن إنما عمرت الدنيا بقلة عقول أهلها وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني مؤمل الدنيا والموت يطلبه وغافل وليس يغفل عنه وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راض وثلاث أحزنتني حتى أبكتني فراق الأحبة محمد وحزبه وهول المطلع والوقوف بين يدي الله ولا أدري إلى الجنة يؤمر بي أو إلى النار

وقال بعضهم رأيت زرارة بن أبي أوفى بعد موته في المنام فقلت أي الأعمال أبلغ عندكم قال التوكل وقصر الأمل

وقال الثوري الزهد في الدنيا قصر الأمل ليس بأكل الغليظ ولا لبس العباءة

وسأل المفضل بن فضالة ربه أن يرفع عنه الأمل فذهبت عن شهوة الطعام والشراب ثم دعا ربه فرد عليه الأمل فرجع إلى الطعام والشراب وقيل للحسن يا أبا سعيد ألا تغسل قميصك فقال الأمر أعجل من ذلك

وقال الحسن الموت معقود بنواصيكم والدنيا تطوى من ورائكم

وقال بعضهم أنا كرجل ماد عنقه والسيف عليه ينتظر متى تضرب عنقه

وقال داود الطائي لو أملت أن أعيش شهرا لرأيتني قد أتيت عظيما وكيف أؤمل ذلك وأرى الفجائع تغشى الخلائق في ساعات الليل والنهار وحكى أنه جاء شقيق البلخى إلى أستاذ له يقال له أبو هاشم الرمانى وفي طرف كسائه شيء مصرور فقال له استاذه إيش هذا معك فقال لوزات دفعها إلى أخ لي وقال أحب أن تفطر عليها فقال يا شقيق وأنت تحدث نفسك أنك تبقى إلى الليل لا كلمتك أبدا قال فأغلق في وجهي الباب ودخل وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته إن لكل سفر زادا لا محالة فتزودوا لسفركم من الدنيا إلى الآخرة التقوى وكونوا كمن عاين ما أعد الله من ثوابه وعقابه ترغبوا وترهبوا ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم وتنقادوا لعدوكم فإنه والله ما بسط أمل من لا يدرى لعله لا يصبح بعد مسائه ولا يمسى بعد صباحه وربما كانت بين ذلك خطفات المنايا وكم رأيت ورأيتم من كان بالدنيا مغترا وإنما تقر عين من


(١) حديث نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد وهلك آخر هذه الأمة بالبخل والأمل أخرجه ابن أبي الدنيا فيه من رواية ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده
(٢) حديث الحسن أكلكم يحب أن يدخل الجنة قالوا نعم يا رسول الله قال قصروا من الأمل الحديث أخرجه ابن أبي الدنيا
(٣) حديث كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في دعائه اللهم إني أعوذ بك من أمل يمنع خير الآخرة وأعوذ بك من حياة تمنع خير الممات وأعوذ بك من أمل يمنع خير العمل أخرجه ابن أبي الدنيا فيه من رواية حوشب عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي إسناده ضعف وجهالة ولا أدري من حوشب

<<  <  ج: ص:  >  >>