للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبدا ولا لبدا إلا دفن معه

قال أبو جعفر فرش لحده بمفرشه وقطيفته وفرشت ثيابه عليها التي كان يلبس يقظان على القطيفة والمفرش ثم وضع عليها في أكفانه فلم يترك بعد وفاته مالا ولا نبي في حياته لبنة على لبنة ولا وضع قصبة على قصبة (١) ففي وفاته عبرة تامة وللمسلمين به أسوة حسنة وفاة أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه

لما احتضر أبو بكر رضي الله تعالى عنه جاءت عائشة رضي الله عنها فتمثلت بهذا البيت لعمرك ما يغنى الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر

فكشف عن وجهه وقال ليس كذا ولكن قولي {وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد} انظروا ثوبي هذين فاغسلوهما وكفنوني فيهما فإن الحي إلى الجديد أحوج من الميت

وقالت عائشة رضي الله عنها عند موته

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه ... ربيع اليتامى عصمة للأرامل

فقال أبو بكر ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخلوا عليه فقالوا ألا ندعوا لك طبيبا ينظر إليك قال قد نظر إلى طبيبي وقال إني فعال لما أريد

ودخل عليه سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه يعوده فقال يا أبا بكر أوصنا فقال إن الله فاتح عليكم الدنيا فلا تأخذن منها إلا بلاغك واعلم أن من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله فلا تخفرن الله في ذمته فيكبك في النار على وجهك

ولما ثقل أبو بكر رضي الله تعالى عنه وأراد الناس منه أن يستخلف فاستخلف عمر رضي الله عنه فقال الناس له استخلفت علينا فظا غليظا فماذا تقول لربك فقال أقول استخلفت على خلقك خير خلقك

ثم أرسل إلى عمر رضي الله عنه فجاء فقال إني موصيك بوصية اعلم إن لله حقا في النهار لا يقبله في الليل وأن لله حقا في الليل لا يقبله في النهار وأنه لا يقبل النافلة حتى تؤدى الفريضة وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينهم يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلا الحق أن يثقل وإنما خفت موازين من خفت موزاينهم يوم القيامة باتباع الباطل وخفته عليهم وحق لميزان لا يوضع فيه إلاالباطل أن يخف وإن الله ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم فيقول القائل أنا دون هؤلاء ولا أبلغ مبلغ صالح الذي عملوا فيقول القائل أنا أفضل من هؤلاء وإن الله ذكر آية الرحمة وآية العذاب ليكون المؤمن راغبا راهبا ولا يلقى بيديه إلى التهلكة ولا يتمنى على الله غير الحق

فإن حفظت وصيتي هذه فلا يكون غائب أحب إليك من الموت ولا بد لك منه وإن ضيعت وصيتي فلا يكون غائب أبغض إليك من الموت ولا بد لك منه ولست بمعجزه

وقال سعيد بن المسيب لما احتضر أبو بكر رضي الله عنه أتاه ناس من الصحابة فقالوا يا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زودنا فإنا نراك لما بك

فقالوا أبو بكر من قال هؤلاء الكلمات ثم مات جعل الله روحه في الأفق المبين قالوا وما الأفق المبين قال قاع بين يديالعرش فيه رياض الله وأنهار وأشجار يغشاه كل يوم مائة


(١) حديث أبي جعفر فرش لحده بمفرشه وقطيفته وفيه فلم يترك بعد وفاته مالا ولا بنى في حياته لبنة على لبنة ولا وضع قصبة على قصبة أما وضع المفرشة والقطيفته فالذي وضع القطيفة شقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس ذكر ذلك من شرط كتابنا وأما كونه لم يترك مالا فقد تقدم من حديث عائشة وغيرها وأما كونه ما بنا في حياته فتقدم أيضا

<<  <  ج: ص:  >  >>