للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم أن كل عرق لم يخرجه التعب فى سبيل الله من حج وجهاد وصيام وقيام وتردد فى قضاء حاجة مسلم وتحمل مشقة فى أمر بمعروف ونهي عن منكر فسيخرجه الحياء والخوف فى صعيد القيامة ويطول فيه الكرب ولو سلم ابن آدم من الجهل والغرور لعلم أن تعب العرق فى تحمل مصاعب الطاعات أهون أمرا وأقصر زمانا من عرق الكرب والانتظار فى القيامة فإنه يوم عظيمة شدته طويلة مدته صفة طول يوم القيامة

يوم تقف فيه الخلائق شاخصة أبصارهم منفطرة قلوبهم لا يكلمون ولا ينظر فى أمورهم يقفون ثلمائة عام لا يأكلون فيه أكله ولا يشربون فيه شربة ولا يجدون فيه روح نسيم قال كعب وقتادة يوم يقوم الناس لرب العلمين قال يقومون مقدار ثلثمائة عام بل قال عبد الله بن عمرو تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية ثم قال كيف بكم إنه جمعكم الله كما تجمع النبل فى الكنانة خمسين ألف سنة ولا ينظر إليكم (١) وقال الحسن ما ظنك بيوم قاموا فيه على أقدامهم مقدار خمسين ألف سنة لا يأكلون فيها أكلة ولا يشربون فيها شربة حتى إذا انقطعت أعناقهم عطشا واحترقت أجوافهم جوعا انصرف بهم إلى النار فسقوا من عين آنية قد آن حرها واشتد لفحها فلما بلغ المجهود منهم ما لا طاقة لهم به كلم بعضهم بعضا فى طلب من يكرم على مولاه ليشفع فى حقهم فلم يتعلقوا بنبي إلا دفعهم وقال دعونى نفسى نفسى شغلنى أمرى عن أمر غيرى واعتذر كل واحد بشدة غضب الله تعالى وقال قد غضب اليوم ربنا غضباً لم يغضب قبله مثله ولا يغضب بعده مثله حتى يشفع نبينا صلى الله عليه وسلم لمن يؤذن له فيه لا يملكون الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضى له قولا فتأمل فِي طُولِ هَذَا الْيَوْمِ وَشِدَّةِ الِانْتِظَارِ فِيهِ حتى يخف عليك انتظار الصبر عن المعاصى فى عمرك المختصر

واعلم أن من طال انتظاره فى الدنيا للموت لشدة مقاساته للصبر عن الشهوات فإنه يقصر انتظاره فى ذلك اليوم خاصة قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما سئل عن طول ذلك اليوم فقال والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا (٢) فاجتهد أن تكون من أولئك المؤمنين فما دام يبقى لك نفس من عمرك فالأمر إليك والاستعداد بيديك فاعمل فى أيام قصار لأيام طوال تربح ربحا لا منتهى لسروره واستحقر عمرك بل عمر الدنيا وهو سبعة الآف سنة فإنك لو صبرت سبعة الآف سنة مثلا لتخلص من يوم مقداره خمسون ألفا لكان ربحك كثيرا وتعبك يسيرا صفة يوم القيامة ودواهيه وأساميه

فاستعد يا مسكين لهذا اليوم العظيم شأنه المديد زمانه القاهر سلطانه القريب أوانه يَوْمَ تَرَى السَّمَاءَ فِيهِ قَدِ انْفَطَرَتْ وَالْكَوَاكِبَ من هوله قد انتثرت وَالنُّجُومَ الزَّوَاهِرَ قَدِ انْكَدَرَتْ وَالشَّمْسَ قَدْ كُوِّرَتْ والجبال قد


(١) حديث ابن عمر تلا هذه الآية يوم يقوم الناس لرب العالمين {ثم قال} كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل فى الكنانة خمسين ألف سنة لا ينظر إليكم قلت إنما هو عبد الله بن عمر ورواه الطبرانى فى الكبير وفيه عبد الرحمن بن ميسرة ولم يذكر له ابن أبى حاتم راويا غير ابن وهب ولهم غير عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمى أربعة هذا أحدهم مصرى والثلاثة الآخرون شاميون
(٢) حديث سئل عن طول ذلك اليوم فقال والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أهون عليه من الصلاة المكتوبة يصليها فى الدنيا أخرجه أبويعلى والبيهقى فى الشعب من حديث أبي سعيد الخدري وفيه ابن لهيعة وقد رواه ابن وهب عنعمرو بن الحارث بدل ابن لهيعة وهو حسن ولأبى يعلى من حديث أبى هريرة بإسناد جيد يهون ذلك على المؤمن كتدلى الشمس للغروب إلى أن تغرب ورواه البيهقى فى الشعب إلى أن قال أظنه رفعه بلفظ إن الله ليخفف على من يشاء من عباده طوله كوقت صلاة مفروضة

<<  <  ج: ص:  >  >>