للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لك ألم أكن رقيبا على أذنيك وهكذا حتى عد سائر أعضائه وقال مجاهد لا تزول قدما عبد يوم القيامة من بين يدي الله عز وجل حتى يسأله عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وعن علمه ما عمل فيه وعن جسده فِيمَا أَبْلَاهُ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيماذا أنفقه فأعظم يا مسكين بحيائك عند ذلك بخطرك فإنك بين أن يقال لك سترتها عليك فى الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فعند ذلك يعظم سرورك وفرحك ويغبطك الأولون والآخرون وإما أن يقال للملائكة خذوا هذا العبد السوء فغلوه ثم الجحيم صلوه وعند ذلك لو بكت السموات والأرض عليك لكان ذلك جديرا بعظم مصيبتك وشدة حسرتك على ما فرطت فيه من طاعة الله وعلى ما بعت آخرتك من دنيا دنيئة لم تبق معك صفة الميزان

ثُمَّ لَا تَغْفُلْ عَنِ الْفِكْرِ فِي الْمِيزَانِ وتطاير الكتب إلى الأيمان والشمائل فإن الناس بعد السؤال ثلاث فرق {فرقة} ليس لهم حسنة فيخرج من النار عنق أسود فيلقطهم لقط الطير الحب وينطوى عليهم ويلقيهم فى النار فتبتلعهم النار وينادى عليهم شقاوة لا سعادة بعدها وقسم آخر لا سيئة لهم فينادى مناد ليقم الحمادون لله على كل حال فيقومون ويسرحون إلى الجنة ثم يفعل ذلك بأهل قيام الليل ثم بمن لم تشغله تجارة الدنيا ولا بيعها عن ذكر الله تعالى

وينادى عليهم سعادة لا شقاوة بعدها ويبقى قسم ثالث وهم الأكثرون خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً وقد يخفى عليهم ولا يخفى على الله تعالى أن الغالب حسناتهم أو سيئاتهم ولكن يأبى الله إلا أن يعرفهم ذلك ليبين فضله عند العفو وعدله عند العقاب فتتطاير الصحف والكتب منطوية على الحسنات والسيئات وينصب الميزان وتشخص الأبصار إلى الكتب أتقع فى اليمين أو فى الشمال ثم إلى لسان الميزان أيميل إلى جانب السيئات أو إلى جانب الحسنات وهذه حالة هائلة تطيش فيها عقول الخلائق وروى الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رأسه فى حجر عائشة رضي الله عنها فنعس فذكرت الآخرة فبكت حتى سال دمعها فنقط على خد رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتبه فقال ما يبكيك يا عائشة قالت ذكرت الآخرة هل تذكرون أهليكم يوم القيامة قال والذي نفسي بيده فى ثلاث مواطن فإن أحدا لا يذكر إلا نفسه إذا وضعت الموازين ووزنت الأعمال حتى ينظر ابن آدم أيخف ميزانه أم يثقل

وعند الصحف حتى ينظر أبيمينه يأخذ كتابه أو شماله وعند الصراط (١) وعن أنس يؤتى بابن آدم يوم القيامة حتى يوقف بين كفتى الميزان ويوكل به ملك فإن ثقل ميزانه نادى الملك بصوت يسمع الخلائق سعد فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا وإن خف ميزانه نادى بصوت يسمع الخلائق شقى فلان شقاوة لا يسعد بعدها أبدا

وعند خفه كفة الحسنات تقبل الزبانية وبأيديهم مقامع من حديد عليهم ثياب من نار فيأخذون نصيب النار إلى النار قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في يوم القيامة إنه يوم ينادى الله تعالى فيه آدم عليه السلام فيقول له قم يا آدم فابعث بعث النار فيقول وكم بعث النار فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون فلما سمع الصحابة ذلك أبلسوا حتى ما أوضحوا بضاحكة فلما رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما عند أصحابه قال اعملوا وأبشروا فوالذى نفس محمد بيده إن معكم لخليقتين ما كانتا مع أحد قط إلا كثرتاه مع من هلك من بنى آدم وبنى إبليس قالوا وما هما يا رسول الله قال يأجوج ومأجوج قال فسرى عن القوم فقال اعملوا وأبشروا فوالذى نفس


(١) حديث الحسن أن عائشة ذكرت الآخرة فبكت الحديث وفيه فقال ما يبكيك يا عائشة قالت ذكرت الآخرة هل تذكرون أهليكم يوم القيامة الحديث أخرجه أبو داود من رواية الحسن أنها ذكرت النار فبكت فقال ما يبكيك دون كون رأسه صلى الله عليه وسلم فى حجرها وأنه نعس وإسناده جيد

<<  <  ج: ص:  >  >>