للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنَ الْمَوْتِ وَالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَسَائِرِ أَصْنَافِ الْحَدَثَانِ لَكَانَ جَدِيرًا بِأَنْ يَهْجُرَ الدُّنْيَا بِسَبَبِهَا وَأَنْ لَا يُؤْثِرَ عَلَيْهَا مَا التَّصَرُّمُ وَالتَّنَغُّصُ مِنْ ضَرُورَتِهِ كَيْفَ وَأَهْلُهَا مُلُوكٌ آمِنُونَ وَفِي أَنْوَاعِ السرير ممتعون لهم فيها كل ما يشتهون وهم في كل يوم بفناء العرش يحضرون وَإِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ يَنْظُرُونَ وَيَنَالُونَ بِالنَّظَرِ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَنْظُرُونَ مَعَهُ إِلَى سائر نعيم الجنان ولا يلتفتون وهم على الدوام بين أصناف هذه النعم يترددون وهم من زوالها آمنون قال أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم ينادي مناد يا أهل الجنة إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً وإن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبداً وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبداً وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً فذلك قوله عز وجل ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعلمون (١)

وَمَهْمَا أَرَدْتَ أَنْ تَعْرِفَ صِفَةَ الْجَنَّةِ فَاقْرَأِ الْقُرْآنَ فَلَيْسَ وَرَاءَ بَيَانِ اللَّهِ تَعَالَى بَيَانٌ واقرأ من قوله تعالى لمن خاف مقام ربه جنتان إِلَى آخِرِ سُورَةِ الرَّحْمَنِ وَاقْرَأْ سُورَةَ الْوَاقِعَةِ وغيرها من السور

وإن أردت أن تعرف تفصيل صفاتها من الأخبار فتأمل الآن تفصليها بعد أن اطلعت على جملتها وتأمل أولاً عدد الجنان قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قَوْلَهُ تَعَالَى {وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ} قال جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن (٢) ثم انظر إلى أبواب الجنة فإنها كثيرة بحسب أصول الطاعات كما أن أبواب النار بحسب أصول المعاصي قال أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة كلها وللجنة ثمانية أبواب فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الصيام ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد فقال أبو بكر رضي الله عنه والله ما على أحد من ضرورة من أيها دعي فهل يدعى أحد منها كلها قال نعم وأرجو أن تكون منهم (٣) وعن عاصم بن ضمرة عن علي كرم الله وجهه أنه ذكر النار فعظم أمرها ذكراً لا أحفظه ثم قال وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا انتهوا إلى باب من أبوابها وجدوا عنده شجرة يخرج من تحت ساقها عينان تجريان فعمدوا إلى إحداهما كما أمروا به فشربوا منها فأذهبت ما في بطونهم من أذى أو بأس ثم عمدوا إلى الأخرى فتطهروا منها فجرت عليهم نضرة النعيم فلم تتغير أشعارهم بعدها أبداً ولا تشعث رءوسهم كأنما دهنوا بالدهان ثم انتهوا إلى الجنة فقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين ثم تلقاهم الولدان يطيفون بهم كما تطيف ولدان أهل الدنيا بالحبيب يقدم عليهم من غيبة يقولون له أبشر أعد الله لك من الكرامة كذا قال فينطق غلام من أولئك الولدان إلى بعض أزواجه من الحور العين فيقول قد جاء فلان باسمه الذي كان يدعى به في الدنيا فتقول أنت رأيته فيقول أنا رأيته وهو بأثري فيستخفها الفرح حتى تقوم إلى أسكفة بابها فإذا انتهى إلى منزله نظر إلى أساس بنيانه فإذا جندل اللؤلؤ فوقه صرح أحمر وأخضر وأصفر من كل لون ثم يرفع رأسه فينظر إلى سقفه فإذا مثل البرق ولولا أن الله تعالى قدره لألم أن يذهب بصره ثم يطأطىء رأسه فإذا أزواجه وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة ثم اتكأ فقال الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي


(١) حديث أبى هريرة ينادى مناد إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا الحديث أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وأبي سعيد
(٢) حديث جنتان من فضة آنيتهما وما فيهما وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما الحديث متفق عليه من حديث أبى موسى
(٣) حديث أبي هريرة من أنفق زوجين من ماله في سبيل الله دعي من أبواب الجنة الحديث متفق عليه

<<  <  ج: ص:  >  >>