للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرجت من الدنيا وقيل لآخر هل تحدث نفسك بشيء من الدنيا في الصلاة فقال لا في الصلاة ولا في غيرها

وسئل بعضهم هل تذكر في الصلاة شيئاً فقال وهل شيء أحب إلي من الصلاة فأذكره فيها وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول من فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة ليدخل في الصلاة وقلبه فارغ

وكان بعضهم يخفف الصلاة خيفة الوسواس وروي أن عمار بن ياسر صلى صلاة فأخفها فقيل له خففت يا أبا اليقظان فقال هل رأيتموني نقصت من حدودها شيئاً قالوا لا قال إني بادرت سهو الشيطان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن العبد ليصلي الصلاة لا يكتب له نصفها ولا ثلثها ولا ربعها ولا خمسها ولا سدسها ولا عشرها وكان يقول إنما يكتب للعبد من صلاته ما عقل منها (١) ويقال إن طلحة والزبير وطائفة من الصحابة رضي الله عنهم كانوا أخف الناس صلاة وقالوا نبادر بها وسوسة الشيطان

وروي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال على المنبر إن الرجل ليشيب عارضاه في الإسلام وما أكمل لله تعالى صلاة قيل وكيف ذلك قال لا يتم خشوعها وتواضعها وإقباله على الله عز وجل فيها وسئل أبو العالية عن قوله تعالى الذين هم عن صلاتهم ساهون قال هو الذي يسهو في صلاته فلا يدري على كم ينصرف أعلى شفع أم على وتر وقال الحسن هو الذي يسهو عن وقت الصلاة حتى تخرج وقال بعضهم هو الذي إن صلاها في أول الوقت لم يفرح وإن أخرها عن الوقت لم يحزن فلا يرى تعجيلها خيرا ولا تأخيرا إثماً واعلم أن الصلاة قد يحسب بعضها ويكتب بعضها دون بعض كما دلت الأخبار عليه وإن كان الفقيه يقول إن الصلاة في الصحة لا تتجزأ ولكن ذلك له معنى آخر ذكرناه وهذا المعنى دلت عليه الأحاديث إذ ورد جبر نقصان الفرائض بالنوافل (٢) وفي الخبر قال عيسى عليه السلام يقول الله تعالى بالفرائض نجا مني عبدي وبالنوافل تقرب إلى عبدي وقال النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ تعالى لا ينجو مني عبدي إلا بأداء ما افترضته عليه (٣) وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلى صلاة فترك من قراءتها آية فلما انفتل قال ماذا قرأت فسكت القوم فسأل أبي بن كعب رضي الله عنه فقال قرأت سورة كذا وتركت آية كذا فما ندري أنسخت أم رفعت فقال أنت لها يا أبي ثم أقبل على الآخرين فقال ما بال أقوام يحضرون صلاتهم ويتمون صفوفهم ونبيهم بين أيديهم لا يدرون ما يتلو عليهم من كتاب ربهم ألا إن بني إسرائيل كذا فعلوا فأوحى الله عز وجل إلى نبيهم أن قل لقومك تحضروني أبدانكم وتعطوني ألسنتكم وتغيبون عني بقلوبكم باطل ما تذهبون إليه (٤) وهذا يدل على أن استماع ما يقرأ الإمام وفهمه يدل على قراءة السور بنفسه وقال بعضهم إن الرجل يسجد السجدة عنده أنه تقرب بها إلى الله عز وجل ولو قسمت ذنوبه في سجدته على أهل مدينته لهلكوا قيل وكيف يكون ذلك قال يكون ساجداً عند الله وقلبه مصغ إلى هوى ومشاهد لباطل قد استولى عليه

فهذه صفة الخاشعين

فدلت هذه الحكايات والأخبار مع ما سبق على أن الأصل في الصلاة الخشوع وحضور القلب وأن مجرد الحركات مع الغفلة قليل الجدوى في المعاد والله أعلم

نسأل الله حسن التوفيق


(١) حديث أن عمار بن ياسر صلى فأخفها فقيل له خففت يا أبا اليقظان الحديث {وفيه} إن العبد ليصلي صلاة لا يكتب له نصفها ولا ثلثها إلى آخره أخرجه أحمد بإسناد صحيح وتقدم المرفوع عنه وهو عند أبي داود والنسائي
(٢) حديث جبر نقصان الفرائض بالنوافل رواه أصحاب السنن والحاكم وصححه من حديث أبي هريرة إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته وفيه فإن انتقص من فرضه شيئا قال الرب عز وجل انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما نقص من الفريضة
(٣) حديث قال الله تعالى لا ينجو مني عبدي إلا بأداء ما افترضت عليه لم أجده
(٤) حديث صلى صلاة فترك من قراءتها آية فلما التفت قال ماذا قرأت فسكت القوم فسأل أبي بن كعب الحديث رواه محمد بن نصر في كتاب الصلاة مرسلا وأبو منصور الديلمي من حديث أبي بن كعب ورواه النسائي مختصرا من حديث عبد الرحمن بن أبزى بإسناد صحيح

<<  <  ج: ص:  >  >>