للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحديث وفي حديث حذيفة لما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاختلاف والفرقة بعده قال فقلت يا رسول الله فماذا تأمرني إن أدركت ذلك فقال تعلم كتاب الله واعمل بما فيه فهو المخرج من ذلك قال فأعدت عليه ذلك ثلاثاً فقال صلى الله عليه وسلم ثلاثاً تعلم كتاب الله عز وجل واعمل بما فيه ففيه النجاة (١) وقال علي كرم الله وجهه من فهم القرآن فسر به جمل العلم أشار به إلى أن القرآن يشير إلى مجامع العلوم كلها وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً يعني الفهم في القرآن وقال عز وجل ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً سمى ما آتاهما علماً وحكما وخصص ما انفرد به سليمان بالتفطن له باسم الفهم وجعله مقدماً على الحكم والعلم فهذه الأمور تدل على أن في فهم معاني القرآن مجالاً رحباً ومتسعاً بالغاً وأن المنقول من ظاهر التفسير ليس منتهى الإدراك فيه

فأما قوله صلى الله عليه وسلم من فسر القرآن برأيه ونهيه عنه (٢) صلى الله عليه وسلم وقول أبي بكر رضي الله عنه أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في القرآن برأيي إلى غير ذلك مما ورد في الأخبار والآثار في النهي عن تفسير القرآن بالرأي فلا يخلو إما أن يكون المراد به الاقتصار على النقل والمسموع وترك الاستنباط والاستقلال بالفهم أو المراد به أمراً آخر وباطل قطعاً أن يكون المراد به أن لا يتكلم أحد في القرآن إلا بما يسمعه لوجوه

أحدها أنه يشترط أن يكون ذلك مسموعاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسنداً إليه وذلك مما لا يصادف إلا في بعض القرآن فأما ما يقوله ابن عباس وابن مسعود من أنفسهم فينبغي أن لا يقبل ويقال هو تفسير بالرأي لأنهم لم يسمعوه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذا غيرهم من الصحابة رضي الله عنهم

والثاني أن الصحابة والمفسرين اختلفوا في تفسير بعض الآيات فقالوا فيها أقاويل مختلفة لا يمكن الجمع بينها وسماع جميعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم محال ولو كان الواحد مسموعاً لرد الباقي فتبين على القطع أن كل مفسر قال في المعنى بما ظهر له باستنباطه حتى قالوا في الحروف التي في أوائل السور سبعة أقاويل مختلفة لا يمكن الجمع بينها فقيل إن الر هي حروف من الرحمن وقيل إن الألف الله واللام لطيف والراء رحيم وقيل غير ذلك والجمع بين الكل غير ممكن فكيف يكون الكل مسموعاً

والثالث أنه صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس رضي الله عنه وقال اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل (٣) فإن كان التأويل مسموعاً كالتنزيل ومحفوظاً مثله فما معنى تخصيصه بذلك

والرابع أنه قال عز وجل لعلمه الذي يستنبطونه منهم فأثبت لأهل العلم استنباطاً ومعلوم أنه وراء السماع

وجملة ما نقلناه من الآثار في فهم القرآن يناقض هذا الخيال فبطل أن يشترط السماع في التأويل وجاز لكل واحد أن يستنبط من القرآن بقدر فهمه وحد عقله وأما النهي فإنه ينزل على أحد وجهين أحدهما أن يكون له في الشيء رأي وإليه ميل من طبعه وهواه فيتأول القرآن على وفق رأيه وهواه وليحتج على تصحيح غرضه ولو لم يكن له ذلك الرأي والهوى لكان لا يلوح له من القرآن ذلك المعنى وهذا تارة يكون مع العلم كالذي يحتج ببعض آيات القرآن على تصحيح بدعته وهو يعلم أنه ليس المراد بالآية ذلك ولكن يلبس به على خصمه وتارة يكون مع الجهل ولكن إذا كانت الآية محتملة فيميل فهمه إلى الوجه الذي


(١) حديث حذيفة في الاختلاف والفرقة بعده فقلت ما تأمرني إن أدركت ذلك قال تعلم كتاب الله واعمل بما به الحديث أخرجه أبو داود والنسائي في الكبرى وفيه تعلم كتاب الله واتبع ما فيه ثلاث مرات
(٢) حديث النهي عن تفسير القرآن بالرأي غريب
(٣) حديث دعائه لابن عباس اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل تقدم في الباب الثاني من العلم

<<  <  ج: ص:  >  >>