للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورأى عمار الزاهدي مسكينة الطفاوية في المنام وكانت من المواظبات على حلق الذكر فقال مرحباً يا مسكينة فقالت هيهات هيهات ذهبت المسكنة وجاء الغنى فقال هيه فقالت ما تسأل عمن أبيح لها الجنة بحذافيراها قال وبم ذلك قالت بمجالسة أهل الذكر وعلى الجملة فما ينحل عن القلب من عقد حب الدنيا بقول واعظ حسن الكلام زكي السيرة أشرف وأنفع من ركعات كثيرة مع اشتمال القلب على حب الدنيا الرابع الْمُحْتَرِفُ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَى الْكَسْبِ لِعِيَالِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَيِّعَ الْعِيَالَ وَيَسْتَغْرِقَ الْأَوْقَاتَ فِي الْعِبَادَاتِ بَلْ وِرْدُهُ فِي وَقْتِ الصِّنَاعَةِ حُضُورُ السُّوقِ وَالِاشْتِغَالُ بِالْكَسْبِ وَلَكِنْ يَنْبَغِي أَنْ لَا ينسى ذكر الله تعالى في صناعته بل يواظب على التسبيحات الأذكار وقراءة القرآن فإن ذلك يمكن أن يجمع إلى العمل وإنما لا يتيسر مع العمل الصلاة إلا أن يكون ناظوراً فإنه لا يعجز عن إقامة أوراد الصلاة معه ثم مهما فرغ من كفايته ينبغي أن يعود إلى ترتيب الأوراد وإن داوم على الكسب وتصدق بما فضل عن حاجته فهو أفضل من سائر الأوراد التي ذكرناها لأن العبادات المتعدية فائدتها أنفع من اللازمة والصدقة والكسب على هذه النية عبادة له في نفسه تقربه إلى الله تعالى ثم يحصل به فائدة للغير وتتجذب إليه بركات دعوات المسلمين ويتضاعف به الأجر الخامس الوالي مثل الإمام والقاضي والمتولي في أمور المسلمين فقيامه بحاجات المسلمين وأغراضهم على وفق الشرع وقصد الإخلاص أفضل من الأوراد المذكورة فحقه أن يشتغل بحقوق الناس نهاراً ويقتصر على المكتوبة ويقيم الأوراد المذكورة بالليل كما كان عمر رضي الله عنه يفعله إذ قال مالي وللنوم فلو نمت بالنهار ضيعت المسلمين ولو نمت بالليل ضيعت نفسي وقد فهمت بما ذكرناه أنه يقدم على العبادات البدنية أمران أحدهما العلم والآخر الرفق بالمسلمين لأن كل واحد من العلم وفعل المعروف عمل في نفسه وعبادة تفضل سائر العبادات يتعدى فائدته وانتشار جدواه فكانا مقدمين عليه السادس الموحد المستغرق بالواحد الصمد الذي أصبح وهمومه هم واحد فلا يحب إلا الله تعالى ولا يخاف إلا منه ولا يتوقع الرزق من غيره ولا ينظر في شيء إلا ويرى الله تعالى فيه فمن ارتفعت رتبته إلى هذه الدرجة لم يفتقر إلى تنويع الأوراد واختلافها بل كان ورده بعد المكتوبات واحد وهو حضور القلب مع الله تعالى في كل حال فلا يخطر بقلوبهم أمر ولا يقرع سمعهم قارع ولا يلوح لأبصارهم لائح إلا كان لهم فيه عبرة وفكر ومزيد فلا محرك لهم ولا مسكن إلا الله تعالى فهؤلاء جميع أحوالهم تصلح أن تكون سببا لازيادهم فلا تتميز عندهم عبادة عن عبادة وهم الذين فروا إلى الله عز وجل كما قال تعالى لعلكم تذكرون ففروا إلى الله وتحقق فيهم قوله تعالى وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته وإليه الإشارة بقوله إني ذاهب إلى ربي سيهدين وهذه منتهى درجات الصديقين ولا وصول إليها إلا بعد ترتيب الأوراد والمواظبة عليها دهراً طويلاً فلا ينبغي أن يغتر المريد بما سمعه من ذلك فيدعيه لنفسه ويفتر عن وظائف عبادته فذلك علامته أن لا يهجس في قلبه وسواس ولا يخطر في قلبه معصية ولا ترعجه هواجم الأهوال ولا تستفزه عظائم الأشغال وأنى ترزق هذه الرتبة لكل أحد فيتعين على الكافة ترتيب الأوراد كما ذكرناه وجميع ما ذكرناه طرق إلى الله تعالى قال تعالى قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلاً فكلهم مهتدون وبعضهم أهدى من بعض وفي الخبر الإيمان ثلاث وثلاثون وثلثمائة طريقة من لقي الله تعالى بالشهادة على طريق منها دخل الجنة (١) وقال بعض العلماء الإيمان ثلثمائة وثلاثة عشر خلقا


(١) حديث الإيمان ثلاث وثلاثون وثلثمائة طريقة من لقي الله بالشهادة على طريق منها دخل الجنة أخرجه ابن شاهين واللالكائي في السنة والطبراني والبيهقي في الشعب من رواية المغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه عن جده االإيمان ثلثمائة وثلاثة وثلاثون شريعة من وافى شريعة منهن دخل الجنة وقال الطبراني والبيهقي ثلثمائة وثلاثون وفي إسناده جهالة

<<  <  ج: ص:  >  >>