للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مستحباً

وأما المنخل فالمقصود منه تطييب الطعام وذلك مباح ما لم ينته إلى التنعم المفرط

وأما المائدة فتيسير للأكل وهو أيضاً مُبَاحٌ مَا لَمْ يَنْتَهِ إِلَى الْكِبْرِ وَالتَّعَاظُمِ

وأما الشبع فهو أشد هذه الأربعة فإنه يدعو إلى تهييج الشهوات وتحريك الأدواء في البدن فلتدرك التفرقة بين هذه المبدعات

الرابع أن يحسن الجلسة على السفرة في أول جلوسه ويستديمها كذلك كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ربما جثا للأكل على ركبتيه وجلس على ظهر قدميه وربما نصب رجله اليمنى وجلس على اليسرى (١)

وكان يقول لا آكل متكئا

حديث كان يقول لا آكل متكئاً أخرجه البخاري من حديث أبي جحيفة

إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد

حديث إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد تقدم قبله من حديث أنس بلفظ وأفعل بدل وأجلس ورواه البزار من حديث ابن عمر دون قوله وأجلس (٢) حديث ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطنه الحديث أخرجه الترمذي وقال حسن والنسائي وابن ماجه من حديث المقداد بن معد يكرب

وَمِنْ ضَرُورَةِ هَذِهِ النِّيَّةِ أَنْ لَا يَمُدَّ الْيَدَ إِلَى الطَّعَامِ إِلَّا وَهُوَ جَائِعٌ فَيَكُونُ الْجُوعُ أَحَدَ مَا لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْأَكْلِ

ثُمَّ يَنْبَغِي أَنْ يَرْفَعَ الْيَدَ قَبْلَ الشِّبَعِ وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ اسْتَغْنَى عَنِ الطبيب وسيأتي فائدة قلة الأكل وكيفية التدريج في التقليل منه في كتاب كسر شهوة الطعام من ربع المهلكات

السادس أَنْ يَرْضَى بِالْمَوْجُودِ مِنَ الرِّزْقِ وَالْحَاضِرِ مِنَ الطعام ولا يجتهد في التنعم وطلب الزيادة وانتظار الأدم بل من كرامة الخبز أن لا ينتظر به الأدم وقد ورد الأمر بإكرام الخبز (٣)

فكل ما يديم الرمق ويقوي على العبادة فهو خير كثير لا ينبغي أن يستحقر بل لا ينتظر بالخبز الصلاة إن حضر وقتها إذا كان في الوقت متسع

قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَضَرَ الْعَشَاءُ والعشاء فابدءوا بِالْعَشَاءِ (٤)

وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا رُبَّمَا سَمِعَ قِرَاءَةَ الْإِمَامِ وَلَا يَقُومُ مِنْ عشائه

ومهما كَانَتِ النَّفْسُ لَا تَتُوقُ إِلَى الطَّعَامِ وَلَمْ يَكُنْ فِي تَأْخِيرِ الطَّعَامِ ضَرَرٌ فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُ الصلاة

فأما إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة وكان في التأخير ما يبرد الطعام أو يشوش أمره فتقديمه أحب عند اتساع الوقت تاقت النفس أو لم تتق لعموم الخبر ولأن القلب لا يخلو عن الإلتفات إلى الطعام الموضوع وإن لم يكن الجوع غالبا


(١) حديث ربما جثا للأكل على ركبتيه وجلس على ظهر قدميه وربما نصب رجله اليمنى وجلس على اليسرى أخرجه أبو داود من حديث عبد الله بن بشير في أثناء حديث أتوا القصعة فالتفوا عليها فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث وله وللنسائي من حديث أنس رأيته يأكل وهو مقنع من الجوع وروى أبو الحسن بن المقري في الشمائل من حديثه كان إذا قعد على الطعام استوفز على ركبته اليسرى وأقام اليمنى ثم قال إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد وأفعل كما يفعل العبد وإسناده ضعيف
(٢) والشرب متكئاً مكروه للمعدة أيضاً ويكره الأكل نائماً ومتكئاً إلا ما يتنقل به من الحبوب
روي عن علي كرم الله وجهه أنه أكل كعكا على ترس وهو مضطجع ويقال منبطح على بطنه والعرب قد تفعله
الخامس أَنْ يَنْوِيَ بِأَكْلِهِ أَنْ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى طاعة الله تعالى ليكون مطيعاً بالأكل ولا يقصد التلذذ والتنعم بالأكل
قال إبراهيم بن شيبان منذ ثمانين سنة ما أكلت شيئاً لشهوتي
ويعزم مع ذلك على تقليل الأكل فإنه إذا أكل لأجل قوة العبادة لم تصدق نيته إلا بأكل ما دون الشبع فإن الشبع يمنع من العبادة ولا يقوى عليها فمن ضرورة هذه النية كسر الشهوة وإيثار القناعة على الإتساع
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن لم يفعل فثلث طعام وثلث شراب وثلث للنفس
(٣) حديث أكرموا الخبز أخرجه البزار والطبراني وابن قانع من حديث عبد الله بن أم حرام بإسناد ضعيف جدا وذكره ابن الجوزي في الموضوعات
(٤) حديث إذا حضر العشا والعشاء فابدءوا بالعشاء تقدم في الصلاة والمعروف وأقيمت الصلاة

<<  <  ج: ص:  >  >>