للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التكلف ودام اجتماعنا بسببه وَمِنَ التَّكَلُّفِ أَنْ يُقَدِّمَ جَمِيعَ مَا عِنْدَهُ فيجحف بعياله ويؤذي قلوبهم

روي أن رجلاً دعا علياً رضي الله عنه فقال علي أجيبك على ثلاث شرائط لا تدخل من السوق شيئا ولا تدخر ما في البيت ولا تجحف بعيالك

وكان بعضهم يقدم من كل ما في البيت فلا يترك نوعا إلا ويحضر شيئا منه

وقال بعضهم دخلنا على جابر بن عبد الله فقدم إلينا خُبْزًا وَخَلًّا وَقَالَ لَوْلَا أَنَّا نُهِينَا عَنِ التكلف لتكلفت لكم (١)

وقال بعضهم إذا قصدت للزيارة فقدم ما حضر وإن استزرت فلا تبق ولا تذر

وقال سلمان أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا وأن نقدم إليه ما حضرنا (٢)

وفي حديث يونس النبي صلى الله عليه وسلم أنه زاره إخوانه فقدم إليهم كسرا وجز لهم بقلاً كان يزرعه ثم قال لهم كلوا لولا أن الله لعن المتكلفين لتكلفت لكم

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه وغيره من الصحابة أنهم كانوا يقدمون ما حضر من الكسر اليابسة وحشف التمر ويقولون لا ندري أيهما أعظم وزراً الذي يحتقر ما يقدم إليه أو الذي يحتقر ما عنده أن يقدمه

الْأَدَبُ الثَّانِي وَهُوَ لِلزَّائِرِ أَنْ لَا يَقْتَرِحَ وَلَا يَتَحَكَّمَ بِشَيْءٍ بِعَيْنِهِ فَرُبَّمَا يَشُقُّ عَلَى الْمَزُورِ إِحْضَارُهُ فَإِنْ خَيَّرَهُ أَخُوهُ بَيْنَ طَعَامَيْنِ فليتخير أيسرهما عليه كذلك السنة ففيالخبر أنه ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما (٣)

وروى الأعمش عن أبي وائلٍ أنه قال مضيت مع صاحبٍ لي نزور سلمان فقدم إلينا خبز شعيرٍ وملحاً جريشاً فقال صاحبي لو كان في هذا الملح سعتراً كان أطيب فخرج سلمان فرهن مطهرته وأخذ سعتراً فلما أكلنا قال صاحبي الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال سلمان لو قنعت بما رزقت لم تكن مطهرتي مرهونة

هذا إذا توهم تعذر ذلك على أخيه أو كراهته له فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُسَرُّ بِاقْتِرَاحِهِ وَيَتَيَسَّرُ عَلَيْهِ ذلك فلا يكره له الاقتراح فعل الشافعي رضي الله عنه ذلك مع الزعفراني إذ كان نازلاً عنده ببغداد وكان الزعفراني يكتب كل يوم رقعة بما يطبخ من الألوان ويسلمها إلى الجارية فأخذ الشافعي الرقعة في بعض الأيام وألحق بها لوناً آخر بخطه فلما رأى الزعفراني ذلك اللون أنكر وقال ما أمرت بهذا فعرضت عليه الرقعة ملحقاً فيها خط الشافعي فلما وقعت عينه على خطه فرح بذلك وأعتق الجارية سروراً باقتراح الشافعي عليه

وقال أبو بكر الكتاني دخلت على السري فجاء بفتيت وأخذ يجعل نصفه في القدح فقلت له أي شيءٍ تعمل وأنا أشربه كله في مرةٍ واحدةٍ فضحك وقال هذا أفضل لك من حجة

وقال بَعْضُهُمْ الْأَكْلُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مَعَ الْفُقَرَاءِ بِالْإِيثَارِ وَمَعَ الْإِخْوَانِ بِالِانْبِسَاطِ وَمَعَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا بِالْأَدَبِ

الْأَدَبُ الثَّالِثُ أَنْ يُشَهِّيَ الْمَزُورُ أَخَاهُ الزَّائِرَ وَيَلْتَمِسَ مِنْهُ الِاقْتِرَاحَ مَهْمَا كَانَتْ نَفْسُهُ طَيِّبَةً بِفِعْلِ مَا يَقْتَرِحُ فَذَلِكَ حَسَنٌ وَفِيهِ أجر وفضلٌ جزيلٌ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من صادف من أخيه شهوة غفر له ومن سر أخاه المؤمن فقد سر اللَّهُ تَعَالَى (٤)

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيما رواه جابر من لذذ أخاه بما يشتهي كتب الله له ألف ألف حسنةٍ ومحى عنه ألف ألف سيئة


(١) حديث دخلنا على جابر بن عبد الله فقدم إلينا خُبْزًا وَخَلًّا وَقَالَ لَوْلَا أَنَّا نُهِينَا عَنِ التكلف لتكلفت لكم رواه أحمد دون قوله لولا أنا نهينا وهو من حديث سلمان الفارسي وسيأتي بعده وكلاهما ضعيف وللبخاري عن عمر بن الخطاب نهينا عن التكلف
(٢) حديث سلمان أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن لا نتكلف للضيف ما ليس عندنا وأن نقدم إليه ما حضرنا أخرجه الخرائطي في مكارم الأخلاق ولأحمد لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا أو لولا أنا نهينا أن يتكلف أحدنا لصاحبه لتكلفنا لك وللطبراني نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتكلف للضيف ما ليس عندنا
(٣) حديث ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين شيئين إلا اختار أيسرهما متفق عليه من حديث عائشة وزاد ما لم يكن إثماً ولم يذكرها مسلم في بعض طرقه
(٤) حديث من صادف من أخيه شهوة غفر الله له ومن سر أخاه المؤمن فقد سر الله عز وجل أخرجه البزار والطبراني من حديث أبي الدرداء من وافق من أخيه شهوة غفر له قال ابن الجوزي حديث موضوع وروى ابن حبان والعقيلي في الضعفاء من حديث أبي بكر الصديق من سر مؤمنا فإنما سر الله الحديث قال العقيلي باطل لا أصل له

<<  <  ج: ص:  >  >>