للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قلت فإن لم يكن العزل مكروهاً من حيث أنه دفع لوجود الولد فلا يبعد أن يكره لأجل النية الباعثة عليه إذ لا يبعث عليه إلا نية فاسدة فيها شيء من شوائب الشرك الخفي فأقول النيات الباعثة على العزل خمس

الأولى في السراري وهو حفظ الملك عن الهلاك باستحقاق العتاق وقصد استبقاء الملك بترك الإعتاق ودفع أسبابه ليس بمنهي عنه

الثانية اسْتِبْقَاءُ جَمَالِ الْمَرْأَةِ وَسِمَنِهَا لِدَوَامِ التَّمَتُّعِ وَاسْتِبْقَاءُ حياتها خوفاً من خطر الطلق وهذا أيضاً ليس منهياً عنه

الثالثة الْخَوْفُ مِنْ كَثْرَةِ الْحَرَجِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْأَوْلَادِ وَالِاحْتِرَازُ مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى التَّعَبِ فِي الْكَسْبِ ودخول مداخل السوء وهذا أيضاً غير منهي عنه فإن قلة الحرج معين على الدين نعم الكمال والفضل في التوكل والثقة بضمان الله حيث قال {وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها} ولا جرم فيه سقوط عن ذروة الكمال وترك الأفضل ولكن النظر إلى العواقب وحفظ المال وادخاره مع كونه مناقضاً للتوكل لا نقول إنه منهي عنه

الرابعة الخوف من الأولاد الإناث لما يعتقد في تزويجهن من المعرة كما كانت من عادة العرب في قتلهم الإناث فهذه نية فاسدة لو ترك بسببها أصل النكاح أو أصل الوقاع أثم بها لا بترك النكاح والوطء فكذا في العزل والفساد في اعتقاد المعرة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد وينزل منزلة امرأة تركت النكاح استنكافاً من أن يعلوها رجل فكانت تتشبه بالرجال ولا ترجع الكراهة إلى عين ترك النكاح

الخامسة أن تمتنع المرأة لتعززها ومبالغتها في النظافة والتحرز من الطلق والنفاس والرضاع وكان ذلك عادة نساء الخوارج لمبالغتهن في استعمال المياه حتى كن يقضين صلوات أيام الحيض ولا يدخلن الخلاء إلا عراة فهذه بدعة تخالف السنة فهي نية فاسدة واستأذنت واحدة منهن على عائشة رضي الله عنها لما قدمت البصرة فلم تأذن لها فيكون القصد هو الفاسد دون منع الولادة

فإن قلت فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من ترك النكاح مخافة العيال فليس منا ثلاثاً (١)

قلت فالعزل كترك النكاح

وقوله ليس منا أي ليس موافقاً لنا على سنتنا وطريقتنا وسنتنا فعل الأفضل

فإن قلت فقد قال صلى الله عليه وسلم في العزل ذاك الوأد الخفي وقرأ وإذا الموءودة سئلت (٢)

وهذا في الصحيح

قلنا وفي الصحيح أيضا أخبار صحيحة (٣)

في الإباحة وقوله الوأد الخفي كقوله الشرك الخفي وذلك يوجب كراهة لا تحريماً

فإن قلت فقد قال ابن عباس العزل هو الوأد الأصغر فإن الممنوع وجوده به هو الموءودة الصغرى

قلنا هذا قياس منه لدفع الوجود على قطعه وهو قياس ضعيف ولذلك أنكره عليه علي رضي الله عنه لما سمعه قال ولا تكون موءودة إلا بعد سبع أي بعد الأخرى سبعة أطوار وتلا الآية الواردة في أطوار الخلقة وهي قوله تَعَالَى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ إلى قوله ثم أنشأناه خلقاً آخر أي نفخنا فيه الروح ثم تلا قوله تعالى في الآية وإذا الموءودة سئلت وإذا نظرت إلى ما قدمناه في طريق القياس والاعتبار ظهر لك تفاوت منصب علي وابن عباس رضي الله عنهما في الغوص على المعاني ودرك


(١) حديث من ترك النكاح مخافة العيال فليس منا تقدم في أوائل النكاح
(٢) حديث قال صلى الله عليه وسلم في العزل ذاك الوأد الخفي أخرجه مسلم من حديث جذامة بنت وهب
(٣) أحاديث إباحة العزل رواها مسلم من حديث أبي سعيد أنهم سألوه عن العزل فقال لا عليكم أن لا تفعلوه ورواه النسائي من حديث أبي صرمة وللشيخين من حديث جابر كُنَّا نَعْزِلُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم زاد مسلم فَبَلَغَ ذَلِكَ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم فلم ينهنا وللنسائي من حديث أبي هريرة سئل عن العزل فقيل اليهود تزعم أنها الموءودة الصغرى فقال كذبت يهود قال البيهقي رواة الإباحة أكثر وأحفظ

<<  <  ج: ص:  >  >>