كفاية في المقصود من غير محذور ولست أقول الجمع حرام لكنه مكروه بهذه المعاني وأعني بالكراهة تركه النظر لنفسه
الثَّالِثُ أَنْ يَتَلَطَّفَ فِي التَّعَلُّلِ بِتَطْلِيقِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْنِيفٍ وَاسْتِخْفَافٍ وَتَطْيِيبِ قَلْبِهَا بِهَدِيَّةٍ عَلَى سَبِيلِ الْإِمْتَاعِ وَالْجَبْرِ لِمَا فَجَعَهَا بِهِ مِنْ أذى الفراق
قال تعالى {ومتعوهن} وذلك واجب مهما لم يسم لها مهر في أصل النكاح
كان الحسن بن علي رضي الله عنهما مطلاقاً ومنكاحاً ووجه ذات يوم بَعْضَ أَصْحَابِهِ لِطَلَاقِ امْرَأَتَيْنِ مِنْ نِسَائِهِ وَقَالَ قُلْ لَهُمَا اعْتَدَّا وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَ إِلَى كل واحدةً عشرة آلاف درهم ففعل فلما رجع إليه قال ماذا فعلتا قال أما إحداهما فنكست رأسها وتنكست وأما الأخرى فبكت وانتحبت وسمعتها تقول متاع قليل من حبيب مفارق فأطرق الحسن وترحم لها وقال لو كنت مراجعاً امرأةً بعد ما فارقتها لراجعتها ودخل الحسن ذات يوم على عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقيه المدينة ورئيسها ولم يكن له بالمدينة نظير وبه ضربت المثل عائشة رضي الله عنها حيث قالت لو لم أسر مسيري ذلك لكان أحب إلي من أن يكون لي ستة عشراً ذكراً من رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فدخل عليه الحسن في بيته فعظمه عبد الرحمن وأجلسه في مجلسه وقال ألا أرسلت إلي فكنت أجيئك فقال الحاجة لنا
قال وما هي قال جئتك خاطباً ابنتك فأطرق عبد الرحمن ثم رفع رأسه وقال والله ما على وجه الأرض أحد يمشي عليها أعز علي منك ولكنك تعلم أن ابنتي بضعة مني يسوءني ما ساءها ويسرني ما سرها وأنت مطلاق فأخاف أن تطلقها وإن فعلت خشيت أن يتغير قلبي في محبتك وأكره أن يتغير قلبي عليك فأنت بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن شرطت أن لا تطلقها زوجتك فسكت الحسن وقام وخرج وقال بعض أهل بيته
سمعته وهو يمشي ويقول ما أراد عبد الرحمن إلا أن يجعل ابنته طوقاً في عنقي
وكان علي رضي الله عنه يضجر من كثرة تطليقه فكان يعتذر منه على المنبر ويقول في خطبته إن حسناً مطلاقاً فلا تنكحوه حتى قام رجل من همدان فقال والله يا أمير المؤمنين لننكحنه ما شاء فإن أحب أمسك وإن شاء ترك فسر ذلك علياً وقال
لو كنت بواباً على باب جنة ... لقلت لهمدان ادخلي بسلام
وهذا تنبيه على أن من طعن في حبيبه من أهل وولد بنوع حياء فلا ينبغي أن يوافق عليه فهذه الموافقة قبيحة بل الأدب المخالفة ما أمكن فإن ذلك أسر لقلبه وأوفق لباطن ذاته والقصد من هذا بيان أن الطلاق مباح وقد وعد الله الغنى في الفراق والنكاح جميعاً فقال {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله} وقال سبحانه وتعالى {وإن يتفرقا يغن الله كلاً من سعته}
الرَّابِعُ أَنْ لَا يُفْشِيَ سِرَّهَا لَا فِي الطَّلَاقِ وَلَا عِنْدَ النِّكَاحِ فَقَدْ وَرَدَ فِي إفشاء سر النساء في الخبر الصحيح وعيد عظيم (١)
ويروى عن بعض الصالحين أنه أراد طلاق امرأة فقيل له ما الذي يريبك فيها فقال العاقل لا يهتك ستر امرأته فلما طلقها قيل له
لم طلقتها فقال مالي ولا مرأة غيري فهذا بيان ما على الزوج القسم الثاني من هذا الباب النظر في حقوق الزوج عليها
والقول الشافي فيه أن النكاح نوع رق فهي رقيقة له فعليها طاعة الزوج مطلقاً في كل ما طلب منها في نفسها مما لَا مَعْصِيَةَ فِيهِ وَقَدْ وَرَدَ فِي تَعْظِيمِ حَقِّ الزَّوْجِ عَلَيْهَا أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ قَالَ صَلَّى الله عليه وسلم أيما امرأة
(١) حديث الوعيد في إفشاء سر المرأة رواه مسلم من حديث أبي سعيد قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن أعظم الخيانة عند الله يوم القيامة الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ثم يفشي سرها