للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ مَسْجِدِهِ وَقَالَ لَا أَعْمَلُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِيَنِي رِزْقِي فَقَالَ أحمد هَذَا رَجُلٌ جَهِلَ الْعِلْمَ أَمَا سَمِعَ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظل رمحي (١)

وقوله صلى الله عليه وسلم حين ذكر الطير فقال تغذو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا (٢)

فَذَكَرَ أَنَّهَا تَغْدُو فِي طَلَبِ الرِّزْقِ وَكَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّجِرُونَ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ويعملون في نخيلهم والقدوة بهم

وقال أبو قلابة لرجل لأن أراك تطلب معاشك أحب إلي من أن أراك في زاوية المسجد

وروي أن الأوزاعي لقي إبراهيم بن أدهم رحمهم الله وعلى عنقه حزمة حطب فقال له يا أبا إسحق إلى متى هذا إخوانك يكفونك فقال دعني عن هذا يا أبا عمرو فإنه بلغني أنه من وقف موقف مذلة في طلب الحلال وجبت له الجنة

وقال أبو سليمان الداراني ليس العبادة عندنا أن تصف قدميك وغيرك يقوت لك ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد

وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه ينادي مناد يوم القيامة أين بغضاء الله في أرضه فيقوم سؤال المساجد فهذه مذمة الشرع للسؤال والاتكال على كفاية الأغيار

وَمَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ مَوْرُوثٌ فَلَا يُنْجِيهِ من ذلك إلا الكسب والتجارة

فإن قلت فقد قال صلى الله عليه وسلم ما أوحي إلي أن أجمع المال وكن من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين واعبد ربك حتى يأتيك اليقين (٣)

وقيل لسلمان الفارسي أوصنا فقال من استطاع منكم أن يموت حاجاً أو غازياً أو عامراً لمسجد ربه فليفعل ولا يموتن تاجرا ولا خائناً فالجواب أن وجه الجمع بين هذه الأخبار تفصيل الأحوال فنقول لسنا نقول التجارة أفضل مطلقاً من كل شيء ولكن التجارة إما أن تطلب بها الكفاية أو الثروة أو الزيادة على الكفاية فإن طلب منها الزيادة على الكفاية لاستكثار المال وادخاره لا ليصرف إلى الخيرات والصدقات فهي مذمومة لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة فإن كان مع ذلك ظالماً خائناً فهو ظلم وفسق وهذا ما أراده سلمان بقوله لا تمت تاجراً ولا خائناً وأراد بالتاجر طالب الزيادة فأما إذا طلب بها الكفاية لنفسه وأولاده وكان يقدر على كفايتهم بالسؤال فالتجارة تعففاً عن السؤال أفضل وإن كان لا يحتاج إلى السؤال وكان يعطى عن غير سؤال فالكسب أفضل لأنه إنما يعطى لأنه سائل بلسان حاله ومناد بين الناس بفقره فالتعفف والتستر أوفى من البطالة بل من الاشتغال بالعبادات البدنية وترك الكسب أفضل لأربعة عابد بالعبادات البدنية أو رجل له سير بالباطن وعمل بالقلب في علوم الأحوال والمكاشفات أو عالم مُشْتَغِلٍ بِتَرْبِيَةِ عِلْمِ الظَّاهِرِ مِمَّا يَنْتَفِعُ النَّاسُ به في دينهم كالمفتي وَالْمُفَسِّرِ وَالْمُحَدِّثِ وَأَمْثَالِهِمْ أَوْ رَجُلٍ مُشْتَغِلٍ بِمَصَالِحِ المسلمين وقد تكفل بأمورهم كالسلطان والقاضي والشاهد فهؤلاء إذا كانوا يُكْفَوْنَ مِنَ الْأَمْوَالِ الْمُرْصَدَةِ لِلْمَصَالِحِ أَوِ الْأَوْقَافِ الْمُسْبَلَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ أَوِ الْعُلَمَاءِ

فَإِقْبَالُهُمْ عَلَى مَا هُمْ فِيهِ أَفْضَلُ مِنِ اشْتِغَالِهِمْ بِالْكَسْبِ ولهذا أوحي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين ولم يوح إليه أن كن من التاجرين لأنه كان جامعاً لهذه المعاني الأربعة إلى زيادات لا يحيط بها الوصف وَلِهَذَا أَشَارَ الصَّحَابَةُ عَلَى أبي بكر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ بِتَرْكِ التِّجَارَةِ لَمَّا وَلِيَ الْخِلَافَةَ إِذْ كَانَ ذَلِكَ يَشْغَلُهُ عَنِ الْمَصَالِحِ وَكَانَ يَأْخُذُ كِفَايَتَهُ مِنْ مَالِ الْمَصَالِحِ وَرَأَى ذَلِكَ أَوْلَى ثُمَّ لَمَّا تُوُفِّيَ أَوْصَى بِرَدِّهِ إِلَى بَيْتِ الْمَالِ وَلَكِنَّهُ رَآهُ فِي الِابْتِدَاءِ أَوْلَى ولهؤلاء الأربعة حالتان أخريان

أحداهما


(١) حديث إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ رِزْقِي تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِي رواه أحمد من حديث ابن عمر جعل رزقي تحت ظل رمحي وإسناده صحيح
(٢) حديث ذكر الطير فقال تغذو خماصا وتروح بطانا أخرجه الترمذي وابن ماجه من حديث عمر قال الترمذي حسن صحيح
(٣) حديث ما أوحي إلي أن أجمع المال وكن من التاجرين ولكن أوحي إلي أن سبح بحمد ربك وكن من الساجدين رواه ابن مردويه في التفسير من حديث ابن مسعود بسند فيه لين

<<  <  ج: ص:  >  >>