جاره الأدنى الذي يعرف مدخله ومخرجه قال لا فقال كنت رفيقه في السفر الذي يستدل به على مكارم الأخلاق فقال لا قال فعاملته بالدينار والدرهم الذي يستبين به ورع الرجل قال لا قال أظنك رأيته قائما في المسجد يهمهم بالقرآن يخفض رأسه طوراً ويرفعه أخرى قال نعم فقال اذهب فلست تعرفه
وقال للرجل
اذهب فائتني بمن يعرفك
الباب الخامس في شفقة التاجر على دينه فيما يخصه ويعم آخرته
ولا يَنْبَغِي لِلتَّاجِرِ أَنْ يَشْغَلَهُ مَعَاشُهُ عَنْ مَعَادِهِ فَيَكُونَ عُمْرُهُ ضَائِعًا وَصَفْقَتُهُ خَاسِرَةً وَمَا يَفُوتُهُ مِنَ الرِّبْحِ فِي الْآخِرَةِ لَا يَفِي بِهِ ما ينال في الدنيا فيكون اشْتَرَى الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ بَلِ الْعَاقِلُ يَنْبَغِي أَنْ يُشْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَشَفَقَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ يحفظ رَأْسِ مَالِهِ وَرَأْسُ مَالِهِ دِينُهُ وَتِجَارَتُهُ فِيهِ
قال بعض السلف أولي الأشياء بالعاقل أحوجه إليه في العاجل وأحوج شيء إليه في العاجل أحمده عاقبة في الآجل
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه في وصيته إنه لا بد لك من نصيبك في الدنيا وأنت إلى نصيبك من الآخرة أحوج فابدأ بنصيبك من الآخرة فخذه فإنك ستمر على نصيبك من الدنيا فتنظمه
قال الله تعالى ولا تنس نصيبك من الدنيا أي لا تنس في الدنيا نصيبك منها للآخرة فإنها مزرعة الآخرة وفيها تكتسب الحسنات
وإنما تتم شفقة التاجر عَلَى دِينِهِ بِمُرَاعَاةِ سَبْعَةِ أُمُورٍ
الْأَوَّلُ حُسْنُ النية والعقيدة فِي ابْتِدَاءِ التِّجَارَةِ فَلْيَنْوِ بِهَا الِاسْتِعْفَافَ عَنِ السُّؤَالِ وَكَفَّ الطَّمَعِ عَنِ النَّاسِ اسْتِغْنَاءً بِالْحَلَالِ عَنْهُمْ وَاسْتِعَانَةً بِمَا يَكْسِبُهُ عَلَى الدِّينِ وَقِيَامًا بِكِفَايَةِ الْعِيَالِ لِيَكُونَ مِنْ جُمْلَةِ الْمُجَاهِدِينَ بِهِ وَلْيَنْوِ النُّصْحَ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَنْ يُحِبَّ لِسَائِرِ الْخَلْقِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ وَلْيَنْوِ اتِّبَاعَ طَرِيقِ الْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ فِي مُعَامَلَتِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَلْيَنْوِ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ فِي كُلِّ مَا يراه في السوق فإذا أضمر هذه العقائد والنيات كَانَ عَامِلًا فِي طَرِيقِ الْآخِرَةِ فَإِنِ اسْتَفَادَ مَالًا فَهُوَ مَزِيدٌ وَإِنْ خَسِرَ فِي الدُّنْيَا رَبِحَ فِي الْآخِرَةِ
الثَّانِي أَنْ يَقْصِدَ الْقِيَامَ فِي صَنْعَتِهِ أَوْ تِجَارَتِهِ بِفَرْضٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ فَإِنَّ الصِّنَاعَاتِ وَالتِّجَارَاتِ لَوْ تُرِكَتْ بَطَلَتِ الْمَعَايِشُ وَهَلَكَ أَكْثَرُ الْخَلْقِ
فَانْتِظَامُ أَمْرِ الْكُلِّ بتعاون الكل وتكفل كل فريق بعمل ولو أقبل كلهم على صنعة واحدة لتعطلت البواقي وهلكوا وعلى هذا حمل بعض الناس قوله صلى الله عليه وسلم اختلاف أمتي رحمة (١)
أي اختلاف همهم في الصناعات والحرف
وَمِنَ الصِّنَاعَاتِ مَا هِيَ مُهِمَّةٌ وَمِنْهَا مَا يستغنى عنها لرجوعها إلى طلب النعم وَالتَّزَيُّنِ فِي الدُّنْيَا فَلْيَشْتَغِلْ بِصِنَاعَةٍ مُهِمَّةٍ لِيَكُونَ في قيامه بِهَا كَافِيًا عَنِ الْمُسْلِمِينَ مُهِمًّا فِي الدِّينِ وليجتنب صناعة النقش والصياغة وتشييد البنيان بالجص وجميع ما تزخرف به الدنيا فكل ذلك كرهه ذوو الدين فأما عمل الملاهي والآلات التي يحرم استعمالها فاجتناب ذلك من قبيل ترك الظلم ومن جملة ذلك خياطة الخياط القباء من الإبر يسم للرجال وصياغة الصائغ مراكب الذهب أو خواتيم الذهب للرجال فكل ذلك من المعاصي والأجرة المأخوذة عليه حرام ولذلك أوجبنا الزكاة فيها وإن كنا لا نوجب الزكاة في الحلي لأنها إذا قصدت للرجال فهي محرمة وكونها مهيأة للنساء لا يلحقها بالحلي المباح ما لم يقصد ذلك بها فيكتسب حكمها من القصد
وقد ذكرنا أن بيع الطعام وبيع الأكفان مكروه لأنه يوجب انتظار موت الناس وحاجتهم بغلاء السعر
(١) حديث اختلاف أمتي رحمة تقدم في العلم