وسائر المعاوضات
الخامس ما يؤخذ عن رضا من غير عوض وهو حلال إذا روعي فيه شرط المعقود عليه وشرط العاقدين وشرط العقد ولم يؤد إلى ضرر بوارث أو غيره وذلك مذكور في كتاب الهبات والوصايا والصدقات
السادس
مَا يَحْصُلُ بِغَيْرِ اخْتِيَارٍ كَالْمِيرَاثِ وَهُوَ حَلَالٌ إذا كان الموروث قد اكتسب المال من بعض الجهات الخمس على وَجْهٍ حَلَالٍ ثُمَّ كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَتَنْفِيذِ الْوَصَايَا وَتَعْدِيلِ الْقِسْمَةِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وإخراج الزكاة والحج والكفارة إن كان واجباً وذلك مذكور في كتاب الوصايا والفرائض فهذه مجامع مداخل الحلال والحرام أومأنا إلى جملتها ليعلم المريد أنه إن كانت طعمته متفرقة لا من جهة معينة فلا يستغني عن علم هذه الأمور فكل ما يأكله من جهة من الجهات يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَفْتِيَ فِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ وَلَا يُقْدِمَ عَلَيْهِ بِالْجَهْلِ فَإِنَّهُ كَمَا يُقَالُ لِلْعَالِمِ لِمَ خَالَفْتَ عِلْمَكَ يُقَالُ لِلْجَاهِلِ لِمَ لَازَمْتَ جهلك ولم تتعلم بعد أن قبل لك طلب فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ دَرَجَاتُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ
اعْلَمْ أَنَّ الْحَرَامَ كُلَّهُ خَبِيثٌ لَكِنَّ بَعْضَهُ أَخْبَثُ مِنْ بَعْضٍ وَالْحَلَالَ كُلَّهُ طَيِّبٌ وَلَكِنَّ بَعْضَهُ أَطْيَبُ مِنْ بَعْضٍ وَأَصْفَى مِنْ بَعْضٍ وكما أن الطبيب يحكم على كل حلو بالحرارة ولكن يقول بعضها حار في الدرجة الأولى كالسكر وبعضها حار في الثانية كالفانيذ وبعضها حار في الثالثة كالدبس وبعضها حار في الرابعة كالعسل
كذلك الحرام بعضه خبيث حار في الدرجة الأولى وبعضه الثانية أو الثالثة أو الرابعة وكذا الحلال تتفاوت درجات صفاته وطيبه فلنقتد بأهل الطب في الاصطلاح على أربع درجات تقريباً
وإن كان التحقيق لا يوجب هذا الحصر إذ يتطرق إلى كل درجة من الدرجات أيضاً تفاوت لا ينحصر فإن من السكر ما هو أشد حرارة من سكر آخر وكذا غيره فلذلك نقول الورع عن الحرام على أربع درجات
الأولى ورع العدول وهو الذي يجب الفسق باقتحامه وتسقط العدالة به ويثبت اسم العصيان والتعرض للنار بسببه وهو الْوَرَعُ عَنْ كُلِّ مَا تُحَرِّمُهُ فَتَاوَى الْفُقَهَاءِ
الثانية ورع الصالحين وهو الامتناع عما يتطرق إليه احتمال التحريم ولكن المفتي يرخص في التناول بناء على الظاهر فهو من مواقع الشبهة على الجملة فلنسم التحرج عن ذلك ورع الصالحين وهو في الدرجة الثانية
الثالثة مالا تحرمه الفتوى ولا شُبْهَةَ فِي حِلِّهِ وَلَكِنْ يُخَافُ مِنْهُ أَدَاؤُهُ إِلَى مُحَرَّمٍ وَهُوَ تَرْكُ مَا لَا بَأْسَ به مخافة مما به باس وهذا ورع المتيقن
قال صلى الله عليه وسلم لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع مالا بأس به مخافة ما به بأس (١)
الرابعة ما لا بأس به أصلاً ولا يُخَافُ مِنْهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى مَا بِهِ بأس ولكنه يتناول لغير الله وعلى غير نِيَّةِ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى عِبَادَةِ اللَّهِ أَوْ تَتَطَرَّقُ إِلَى أَسْبَابِهِ الْمُسَهِّلَةِ لَهُ كَرَاهِيَةٌ أَوْ معصية والامتناع منه ورع الصديقين فهذه درجات الحلال جملة إلى أن نفصلها بالأمثلة والشواهد
وأما الحرام الذي ذكرناه في الدرجة الأولى هو الذي يشترط التورع عنه في العدالة وإطراح سمة الفسق فهو أيضاً على درجات في الخبث فالمأخوذ بعقد فاسد كالمعاطاة مثلاً فيما لا يجوز فيه المعاطاة حرام ولكن ليس في درجة المغصوب على سبيل القهر بل المغصوب أغلظ إذ فيه ترك طريق الشرع في الاكتساب وإيذاء الغير
(١) حديث لا يبلغ العبد درجة المتقين حتى يدع مالا بأس به مخافة ما به بأس رواه ابن ماجه وقد تقدم