للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما أخذته ولا دعوت له أحداً حتى يكون معي غيري

وقال بعضهم كنت قاعداً مع عبد الله بن مسعود رضي الله عنه إذ جاءه رجل بآخر فقال هذا نشوان فقال عبد الله بن مسعود استنكهوه فاستنكهوه فوجده نشواناً فحبسه حتى ذهب سكره ثم دعا بسوط فكسر ثمره ثم قال للجلاد اجلد وارفع يدك وأعط كل عضو حقه فجلده وعليه قباء أو مرط فلما فرغ قال للذي جاء به ما أنت منه قال عمه قال عبد الله ما أدبت فأحسنت الأدب ولا سترت الحرمة إنه ينبغي للإمام إذا انتهى إليه حد أن يقيمه وإن الله عفو يحب العفو ثم قرأ {وليعفوا وليصفحوا} ثم قال إني لأذكر أول رجل قطعه النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطعه فكأنما أسف وجهه فقالوا يا رسول الله كأنك كرهت قطعه فقال وما يمنعني لا تكونوا عوناً للشياطين على أخيكم فقالوا ألا عفوت عنه فقال إنه ينبغي للسلطان إذا انتهى إليه حد أن يقيمه إن الله عفو يجب العفو وقرأ {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لكم والله غفور رحيم} (١)

وفي رواية فكأنما سفي في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رماد لشدة تغيره وروى أن عمر رضي الله عنه كان يعس بالمدينة مِنَ اللَّيْلِ فَسَمِعَ صَوْتَ رَجُلٍ فِي بَيْتٍ يتغنى فتسور عليه فوجده عِنْدَهُ امْرَأَةً وَعِنْدَهُ خَمْرٌ فَقَالَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَظْنَنْتَ أَنَّ اللَّهَ يَسْتُرُكَ وَأَنْتَ عَلَى معصيته فقال وأنت يا أمير المؤمنين فلا تعجل فإن كنت قد عَصَيْتُ اللَّهَ وَاحِدَةً فَقَدْ عَصَيْتَ اللَّهَ فِيَّ ثلاثا قال الله تعالى {ولا تجسسوا} وَقَدْ تَجَسَّسْتَ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَيْسَ الْبِرُّ بأن تأتوا البيوت من ظهورها} وَقَدْ تَسَوَّرْتَ عَلَيَّ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم} الْآيَةَ وَقَدْ دَخَلْتَ بَيْتِي بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلَا سلام فقال عمر رضي الله عنه

هَلْ عِنْدَكَ مِنْ خَيْرٍ إِنْ عَفَوْتُ عَنْكَ قال نعم والله يا أمير المؤمنين لَئِنْ عَفَوْتَ عَنِّي لَا أَعُودُ إِلَى مِثْلِهَا أبداً فعفا عنه وخرج وتركه

وقال رجل لعبد الله بن عمر

يا أبا عبد الرحمن كيف سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول في النجوى يوم القيامة قال سمعته يقول إن الله ليدني منه المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس فيقول أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا فيقول نعم يارب حتى إذا قرره بذنوبه فرأى في نفسه أنه قد هلك قال له يا عبدي إني لم أسترها عليك في الدنيا إلا وأنا أريد أن أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته

وأما الكافرون والمنافقون فتقول الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين (٢)

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ (٣)

وَإِنَّ مِنَ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ السُّوءَ سِرًّا ثُمَّ يُخْبِرُ بِهِ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم من استمع خَبَرَ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ صُبَّ فِي أُذُنِهِ الْآنُكُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (٤)

وَمِنْهَا أَنْ يَتَّقِيَ مَوَاضِعَ التُّهَمِ صِيَانَةً لِقُلُوبِ النَّاسِ عَنْ سُوءِ الظن ولألسنتهم عن العيبة فَإِنَّهُمْ إِذَا عَصَوُا اللَّهَ بِذِكْرِهِ وَكَانَ هُوَ السَّبَبَ فِيهِ كَانَ شَرِيكًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ولا تسبوا الذي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بغير علم وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تَرَوْنَ من يسب أَبَوَيْهِ فَقَالُوا وَهَلْ مِنْ أَحَدٍ يَسُبُّ أَبَوَيْهِ فَقَالَ نَعَمْ يَسُبُّ أَبَوَيْ غَيْرِهِ فَيَسُبُّونَ أَبَوَيْهِ (٥)

وقد روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلم إحدى نسائه فمر به رجل فدعاه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يا فلان هذه زوجتي صفية {فقال}


(١) حديث ابن مسعود إني لأذكر أول رجل قطعه النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقطعه فكأنما أسف وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد وللخرائطي في مكارم الأخلاق فكأنما سفي في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم رماد الحديث
(٢) حديث ابن عمر إن الله عز وجل ليدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره من الناس فيقول أتعرف ذنب كذا الحديث متفق عليه
(٣) حديث كل أمتي معافى إلا المجاهرين الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة
(٤) حديث من استمع من قوم وهم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة رواه البخاري من حديث ابن عباس مرفوعا وموقوفا عليه وعلى أبي هريرة أيضا
(٥) حديث كَيْفَ تَرَوْنَ مَنْ سَبَّ أَبَوَيْهِ فَقَالُوا وَهَلْ من أحد يسب أبويه الحديث متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو ونحوه

<<  <  ج: ص:  >  >>