للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المعيشة والمخالطة ثم لا ينال المعيشة إلا بمعصية الله تعالى ولست أقول هذا أو أن ذلك الزمان فلقد كان هذا بإعصار قبل هذا العصر ولأجله قال سفيان والله لقد حلت العزلة

وقال ابن مسعود رضي الله عنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أيام الفتنة وأيام الهرج قلت وما الهرج قال حين لا يأمن الرجل جليسه قلت فبم تأمرني إن أدركت ذلك الزمان قال كف نفسك ويدك وادخل دارك قال قلت يا رسول الله أرأيت إن دخل على داري قال فادخل بيتك قلت فإن دخل على بيتي قال فادخل مسجدك واصنع هكذا وقبض على الكوع وقل ربي الله حتى تموت (١)

وقال سعد لما دعي الى الخروج أيام معاوية لا إلا أن تعطوني سيفاً له عينان بصيرتان ولسان ينطق بالكافر فأقتله وبالمؤمن فأكف عنه وقال مثلنا ومثلكم كمثل قوم كانوا على محجة بيضاء فبينما هم كذلك يسيرون إذ هاجت ريح عجاجة فضلوا الطريق فالتبس عليهم فقال بعضهم الطريق ذات اليمين فأخذوا فيها فتاهوا وضلوا وقال بعضهم ذات الشمال فأخذوا فيها فتاهوا وضلوا وأناخ آخرون وتوقفوا حتى ذهبت الريح وتبينت الطريق فسافروا

فاعتزل سعد وجماعة معه فارقوا الفتن ولم يخالطوا إلا بعد زوال الفتن

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه لما بلغه أن الحسين رضي الله عنه توجه الى العراق تبعه فلحقه على مسيرة ثلاثة أيام فقال له أين تريد فقال العراق

فإذا معه طوامير وكتب فقال هذه كتبهم وبيعتهم فقال لا تنظر الى كتبهم ولا تأتهم فأبى فقال إني أحدثك حديثاً جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة على الدنيا وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم والله لا يليها أحد منكم أبداً وما صرفها عنكم إلا للذي هو خير لكم فأبى أن يرجع فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال استودعك الله من قتيل أو أسير (٢)

وكان في الصحابة عشرة آلاف فما خف أيام الفتنة أكثر من أربعين رجلاً

وجلس طاوس في بيته فقيل له في ذلك فقال فساد الزمان وحيف الأئمة

ولما بنى عروة قصره بالعقيق ولزمه قيل له لزمت القصر وتركت مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رأيت مساجدكم لاهية وأسواقكم لاغية والفاحشة في فجاجكم عالية وفيما هناك عما أنتم فيه عافية

فإذن الحذر من الخصومات ومثارات الفتن إحدى فوائد العزلة

الفائدة الرابعة الخلاص من شر الناس

فإنهم يؤذونك مرة بالغيبة ومرة بسوء الظن والتهمة بالاقتراحات والأطماع الكاذبة التي يعسر الوفاء بها وتارة بالنميمة أو الكذب فربما يرون منك من الأعمال أو الأقوال ما لا تبلغ عقولهم كنهه فيتخذون ذلك ذخيرة عندهم يدخرونها لوقت تظهر فرصة للشر فإذا اعتزلتهم استغنيت من التحفظ عن جميع ذلك

ولذلك قال بعض الحكماء لغيره أعلمك بيتين خير من عشرة آلاف درهم ما هما قال

اخفض الصوت إن نطقت بليل ... والتفت بالنهار قبل المقال

ليس للقول رجعة حين يبدو ... بقبيح يكون أو بجمال

ولا شك أن من اختلط بالناس وشاركهم في أعمالهم لا ينفك من حاسد وعدو يسيء الظن به ويتوهم أنه يستعد


(١) حديث ابن مسعود ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الفتنة وأيام الهرج قلت وما الهرج قال حين لا يأمن الرجل جليسه الحديث أخرجه أبو داود مختصرا والخطابي في العزلة بتمامه وفي إسناده عند الخطابي انقطاع ووصله أبو داود بزيادة رجل اسمه سالم يحتاج إلى معرفته
(٢) حديث ابن عمر أنه لما بلغه أن الحسين توجه إلى العراق لحقه على مسيرة ثلاثة أيام الحديث وفيه أنه صلى الله عليه وسلم خير بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة رواه الطبراني مقتصرا على المرفوع رواه في الأوسط بذكر قصة الحسين مختصرة ولم يقل على مسيرة ثلاثة أيام وكذا رواه البزار بنحوه وإسنادهما حسن

<<  <  ج: ص:  >  >>