{من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون} فمن يسر له هذا السفر لم يزل في سيره متنزها في جنة عرضها السماوات والأرض وهو ساكن بالبدن مستقر في الوطن
وهو السفر الذي لا تضيق فيه المناهل والموارد ولا يضر فيه التزاحم والتوارد بل تزيد بكثرة المسافرين غنائمه وتتضاعف ثمراته وفوائده فغنائمه دائمة غير ممنوعة وثمراته متزايدة غير مقطوعة إلا إذا بدا للمسافر فترة في سفره ووقفة في حركته فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا زاغوا أزاغ الله قلوبهم وما الله بظلام للعبيد ولكنهم يظلمون أنفسهم ومن لم يؤهل للجولان في هذا الميدان والتطواف في متنزهات هذا البستان ربما سافر بظاهر بدنه في مدة مديدة فراسخ معدودة مغتنما بها تجارة للدنيا أو ذخيرة للآخرة فإن كان مَطْلَبُهُ الْعِلْمَ وَالدِّينَ أَوِ الْكِفَايَةَ لِلِاسْتِعَانَةِ عَلَى الدِّينِ كَانَ مِنْ سَالِكِي سَبِيلِ الْآخِرَةِ وَكَانَ لَهُ فِي سَفَرِهِ شُرُوطٌ وَآدَابٌ إِنْ أَهْمَلَهَا كَانَ مِنْ عُمَّالِ الدُّنْيَا وَأَتْبَاعِ الشَّيْطَانِ وَإِنْ وَاظَبَ عَلَيْهَا لَمْ يَخْلُ سَفَرُهُ عَنْ فَوَائِدَ تلحقه بعمال الآخرة ونحن نذكر آدابه وشروطه في بابين إن شاء الله تعالى
الباب الأول في الآداب من أول النهوض إلى آخر الرجوع وفي نية السفر
وفائدته وفيه فصلان
الباب الثاني فيما لَا بُدَّ لِلْمُسَافِرِ مِنْ تَعَلُّمِهِ مِنْ رُخَصِ السفر وأدلة القبلة والأوقات الباب الأول في الآداب من أول النهوض إلى آخر الرجوع وفي نية السفر وفائدته وفيه فصلان الفصل الأول في فوائد السفر وفضله ونيته
اعلم أن السفر نوع حركة ومخالطة وفيه فوائد وله آفات كما ذكرناه في
كتاب الصحبة والعزلة والفوائد الباعثة على السفر لا تخلو من هرب أو طلب
فإن المسافر إما أن يكون له مزعج عن مقامه ولولاه لما كان له مقصد يسافر إليه وإما أن يكون له مقصد ومطلب
والمهروب عنه إما أمر له نكاية في الأمور الدنيوية
كالطاعون والوباء إذا ظهر ببلد أو خوف سببه فتنة أو خصومة أو غلاء سعر
وهو إما عام كما ذكرناه أو خاص كمن يقصد بأذية في بلدة فيهرب منها
وإما أمر له نكاية في الدين كمن ابتلى في بلده بجاه ومال واتساع أسباب تصده عن التجرد لله فيؤثر الغربة والخمول ويجتنب السعة والجاه أو كمن يدعى إلى بدعة قهرا أو إلى ولاية عمل لا تحل مباشرته فيطلب الفرار منه
وأما المطلوب فهو إما دنيوي كالمال والجاه أو ديني والديني إما علم وإما عمل
والعلم إما علم من العلوم الدينية وإما علم بأخلاق نفسه وصفاته على سبيل التجربة وأما علم بآيات الأرض وعجائبها كسفر ذي القرنين وطوافه في نواحي الأرض
والعمل إما عبادة وإما زيارة
والعبادة هو الحج والعمرة والجهاد
والزيارة أيضا من القربات وقد يقصد بها مكان كمكة والمدينة وبيت المقدس
والثغور فإن الرباط بها قربة
وقد يقصد بها الأولياء والعلماء وهم إما موتى فتزار قبورهم وإما أحياء فيتبرك بمشاهدتهم ويستفاد من النظر إلى أحوالهم قوة الرغبة في الإقتداء بهم
فهذه هي أقسام الأسفار ويخرج من هذه القسمة أقسام
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ السَّفَرُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَهُوَ إِمَّا وَاجِبٌ وَإِمَّا نَفْلٌ وَذَلِكَ بِحَسَبِ كَوْنِ الْعِلْمِ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا
وَذَلِكَ