للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإعتماد على الأسباب في كتاب التوكل إن شاء الله تعالى

الْقِسْمُ الرَّابِعُ السَّفَرُ هَرَبًا مِمَّا يَقْدَحُ

فِي الْبَدَنِ كَالطَّاعُونِ أَوْ فِي الْمَالِ كَغَلَاءِ السِّعْرِ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ

وَلَا حَرَجَ فِي ذَلِكَ بَلْ رُبَّمَا يَجِبُ الْفِرَارُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَرُبَّمَا يُسْتَحَبُّ فِي بَعْضٍ بِحَسَبِ وُجُوبِ ما يترتب عليه من الفوائد واستحبابه ولكن يستثنى منه الطاعون فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَفِرَّ مِنْهُ لِوُرُودِ النَّهْيِ فيه

قال أسامة بن زيد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن هذا الوجع أو السقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكم ثم بقي بعد في الأرض منه (١)

وقالت عائشة رضي الله عنها قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن فناء أمتي بالطعن والطاعون فقلت هذا الطعن قد عرفناه فما الطاعون قال غدة كعدة البعير تأخذهم في مراقهم المسلم الميت منه شهيد والمقيم عليه المحتسب كالمرابط في سبيل الله والفارّ منه كالفارّ من الزحف (٢)

وعن مكحول عن أم أيمن قالت

أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه لا تشرك بالله شيئاً وإن عذبت أو حرقت وأطع والديك وإن أمراك أن تخرج من كل شيء هو لك فاخرج منه

ولا تترك الصلاة عمداً فإن من ترك الصلاة عمداً فقد برئت ذمة الله منه وإياك والخمر فإنها مفتاح كل شر وإياك والمعصية فإنها تسخط الله ولا تفرّ من الزحف وإن أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت فيهم أنفق من طولك على أهل بيتك ولا ترفع عصاك عنهم أخفهم بالله (٣)

فهذه الأحاديث تدل على أن الفرار من الطاعون منهي عنه وكذلك القدوم عليه

وسيأتي شرح ذلك في

كتاب التوكل فهذه أقسام الأسفار وقد خرج منه أن السفر ينقسم الى

مذموم والى محمود والى مباح

والمذموم ينقسم الى حرام كإباق العبد وسفر العاق والى مكروه كالخروج من بلد الطاعون

والمحمود ينقسم الى وَاجِبٌ كَالْحَجِّ وَطَلَبِ الْعِلْمِ الَّذِي هُوَ فَرِيضَةٌ على كل مسلم والى مندوب اليه كزيارة العلماء وزيارة مشاهدهم

ومن هذه الأسباب تتبين النية في السفر فإن معنى النية الانبعاث للسبب الباعث والانتهاض لاجابة الداعية

ولتكن نيته الآخرة في جميع أسفاره وذلك ظاهر في الواجب والمندوب ومحال في المكروه والمحظور

وَأَمَّا الْمُبَاحُ فَمَرْجِعُهُ إِلَى النِّيَّةِ

فَمَهْمَا كَانَ قَصْدُهُ بِطَلَبِ الْمَالِ مَثَلًا التَّعَفُّفُ عَنِ السُّؤَالِ وَرِعَايَةُ سَتْرِ الْمُرُوءَةِ عَلَى الْأَهْلِ وَالْعِيَالِ وَالتَّصَدُّقُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ مَبْلَغِ الْحَاجَةِ صَارَ هَذَا الْمُبَاحُ بِهَذِهِ النِّيَّةِ مِنْ أَعْمَالِ الْآخِرَةِ

وَلَوْ خَرَجَ إِلَى الْحَجِّ وَبَاعِثُهُ الرِّيَاءُ وَالسُّمْعَةُ لَخَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَعْمَالِ الْآخِرَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات (٤)

فقوله صلى الله عليه وسلم الأعمال بالنيات عام في الواجبات والمندوبات والمباحات دون المحظورات فإن النية لا تؤثر في إخراجها عن كونها من المحظورات وقد قال بعض السلف إن الله تعالى قد وكل بالمسافرين ملائكة ينظرون الى مقاصدهم فيعطي كل واحد على قدر نيته

فمن كانت نيته الدنيا أعطي منها ونقص من آخرته أضعافه وفرق عليه همه وكثر بالحرص والرغبة شغله

ومن كانت نيته الآخرة أعطي من البصيرة والحكمة والفطنة وفتح له من التذكرة والعبرة بقدر نيته وجمع له همه ودعت له الملائكة واستغفرت له

وأما النظر في أن السفر هو الأفضل أو الإقامة فذلك يضاهي النظر في أن الأفضل هو العزلة أو المخالطة


(١) حديث أسامة بن زيد أن هذا الوجع أو السقم رجز عذب به بعض الأمم قبلكمالحديث متفق عليه واللفظ لمسلم
(٢) حديث عائشة إن فناء أمتي بالطعن والطاعون الحديث رواه أحمد وابن عبد البر في التمهيد بإسناد جيد
(٣) حديث أم أيمن أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض أهله لا تشرك بالله شيئاً وإن حرقت بالنار أخرجه البيهقي وقال فيه إرسال
(٤) حديث الأعمال بالنيات متفق عليه من حديث عمر وقد تقدم

<<  <  ج: ص:  >  >>