للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن ابن وهب والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم في مسجد رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يسترني بثوبه أو بردائه لكي أنظر إلى لعبهم ثم يقوم من أجلي حتى أكون أنا الذي أنصرف (١)

وروى عن عائشة رضي الله عنها قالت كنت ألعب بالبنات عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالت وكان يأتيني صواحب لي فكن يتقنعن من رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يسر لمجيئهن إلي فيلعبن معي (٢)

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها يوماً ما هذا قالت بناتي قال فما هذا الذي أرى في وسطهن قالت فرس قال ما هذا الذي عليه قالت جناحان قال فرس له جناحان قالت أو ما سمعت أنه كان لسليمان بن داود عليه السلام خيل لها أجنحة قالت فضحك رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بدت نواجذه والحديث محمول عندنا على عادة الصبيان في اتخاذ الصورة من الخزف والرقاع من غير تكميل صورته بدليل ما روى في بعض الروايات أن الفرس كان له جناحان من رقاع

وقالت عائشة رضي الله عنها دخل عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحول وجهه فدخل أبو بكر رضي الله عنه فانتهرنى وقال مزمار الشيطان عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأقبل عليه رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ دعهما فلما غفل غمزتهما فخرجتا (٣)

وكان يوم عيد يلعب فيه السودان بالدرق والحراب فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قال تشتهين تنظرين فقلت نعم فأقامني وراءه وخدي على خده ويقول دونكم يا بني أرفدة حتى إذا مللت قال حسبك قلت نعم قال فاذهبي وفي صحيح مسلم فوضعت رأسي على منكبه فجعلت أنظر إلى لعبهم حتى كنت أنا الذي انصرفت

فهذه الأحاديث كلها في الصحيحين وهو نص صريح في أن الغناء واللعب ليس بحرام

وفيها دلالة على أنواع من الرخص

الأول اللعب ولا يخفى عادة الحبشة في الرقص واللعب

والثاني فعل ذلك في المسجد

والثالث قوله صلى الله عليه وسلم دونكم يا بني أرفدة وهذا أمر باللعب والتماس له فكيف يقدر كونه حراماً

والرابع منعه لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما عن الإنكار والتغيير وتعليله بأنه يوم عيد أي هو وقت سرور وهذا من أسباب السرور

والخامس وقوفه طويلاً في مشاهدة ذلك وسماعه لموافقة عائشة رضي الله عنها

وفيه دليل على أن حسن الخلق في تطييب قلوب النساء والصبيان بمشاهدة اللعب أحسن من خشونة الزهد والتقشف في الامتناع والمنع منه

والسادس قوله صلى الله عليه وسلم ابتداء لعائشة أتشتهين أن تنظري ولم يكن ذلك عن اضطرار إلى مساعدة الأهل خوفا من غضب أو وحشة فإن الإلتماس إذا سبق ربما كان الرد سبب وحشة وهو محذور فيقدم محذور على محذور

فأما ابتداء السؤال فلا حاجة فيه

والسابع الرخصة في الغناء والضرب بالدف من الجاريتين مع أنه شبه ذلك بمزمار الشيطان وفيه بيان أن المزمار المحرم غير ذلك

والثامن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرع سمعه صوت الجاريتين وهو مضطجع ولو كان يضرب بالأوتار في موضع لما جوز الجلوس ثم لقرع صوت الأوتار سمعه

فيدل هذا على أن صوت النساء غير محرم تحريم صوت المزامير بل إنما يحرم عند خوف الفتنة


(١) حديث أبي طاهر عن ابن وهب والله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم على باب حجرتي والحبشة يلعبون بحرابهم الحديث رواه مسلم أيضا
(٢) حديث عائشة كنت ألعب بالبنات عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الحديث وهو في الصحيحين كماذكر المصنف لكن مختصر إلى قولها فيلعبن معى وأما الرواية المطولة التى ذكرها المصنف بقوله وفي رواية فليست من الصحيحين إنما رواها أبو داود بإسناد صحيح
(٣) حديث عائشة دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث الحديث هو في الصحيحين كما ذكر المصنف والرواية التي عزاها لمسلم انفرد بها مسلم كما ذكر

<<  <  ج: ص:  >  >>