للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يسمع منه إشارة إلى أن السماع من الله تعالى هو الدائم

فالأنبياء عليهم السلام على الدوام في لذة السمع والشهود فلا يحتاجون إلى التحريك بالحيلة

وأما قول الفضيل هو رقية الزنا

وكذلك ما عداه من الأقاويل القريبة منه

فهو منزل على سماع الفساق والمغتلمين من الشبان

ولو كان ذلك عاماً لما سمع من الجاريتين في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم

وأما القياس فغاية ما يذكر فيه أن يقاس على الأوتار وقد سبق الفرق أو يقال هو لهو ولعب وهو كذلك ولكن الدنيا كلها لهو ولعب

قال عمر رضي الله عنه لزوجته إنما أنت لعبة في زاوية البيت

وجميع الملاعبة مع النساء لهو إلا الحراثة التي هي سبب وجود الولد

وكذلك المزح الذي لا فحش فيه حلال

نقل ذلك عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعن الصحابة كما سيأتي تفصيله في

كتاب آفات اللسان إن شاء الله (١)

وأي لهو يزيد على لهو الحبشة والزنوج في لعبهم وقد ثبت بالنص إباحته على أني أقول اللهو مروح للقلب ومخفف عنه أعباء الفكر والقلوب إذا أكرهت عميت وترويحها إعانة لها على الجد فالمواظب على التفقه مثلاً ينبغي أن يتعطل يوم الجمعة لأن عطلة يوم تبعث على النشاط في سائر الأيام والمواظب على نوافل الصلوات في سائر الأوقات ينبغي أن يتعطل في بعض الأوقات ولأجله كرهت الصلاة في بعض الأوقات

فالعطلة معونة على العمل واللهو معين على الجد ولا يصبر على الجد المحض والحق المر إلا نفوس الأنبياء عليهم السلام

فاللهو دواء القلب من داء الإعياء والملال فينبغي أن يكون مباحا ولكن لا ينبغي أن يستكثر منه كما لا يستكثر من الدواء فإذا اللهو على هذه النية يصير قربة هذا في حق من لا يحرك السماع من قلبه صفة محمودة يطلب تحريكها بل ليس له إلا اللذة والاستراحة المحضة فينبغي أن يستحب له ذلك ليتوصل به إلى المقصود الذي ذكرناه

نعم هذا يدل على نقصان عن ذروة الكمال فإن الكامل هو الذي لا يحتاج أن يروح نفسه بغير الحق ولكن حسنات الأبرار سيئات المقربين ومن أحاط بعلم علاج القلوب ووجوه التلطف بها لسياقتها إلى الحق علم قطعاً أن ترويحها بأمثال هذه الأمور دواء نافع لا غنى عنه

الباب الثاني آثار السماع وآدابه

اعلم أن أول درجة السماع فهم المسموع وتنزيله على معنى يقع للمستمع ثم يثمر الفهم الوجد ويثمر الوجد الحركة بالجوارح

فلينظر في هذه المقامات الثلاثة

المقام الأول في الفهم وهو يختلف باختلاف أحوال المستمع

وللمستمع أربعة أحوال إحداها أن يكون سماع بمجرد الطبع أي لاحظ له في السماع إلا استلذاذ الألحان والنغمات وهذا مباح وهو أخسر رتب السماع إذ الإبل شريكه له فيه وكذا سائر البهائم بل لا يستدعى هذا الذوق إلا الحياة فلكل حيوان نوع تلذذ بالأصوات الطيبة

الحالة الثانية أن يسمع بفهم ولكن ينزله على صورة مخلوق إما معيناً وإما غير معين وهو سماع الشباب وأرباب الشهوات ويكون تنزيلهم للمسموع على حسب شهواتهم ومقتضى أحوالهم وهذه الحالة أخس من أن نتكلم فيها إلا ببيان خستها والنهي عنها

الحالة الثالثة أن ينزل ما يسمعه على أحوال نفسه في معاملته لله تعالى وتقلب أحواله في التمكن مرة والتعذر أخرى وهذا سماع المريدين لا سيما المبتدئين فإن للمريد لا محالة مراداً هو مقصده ومقصده معرفة الله سبحانه


(١) حديث مزاحه صلى الله عليه وسلم يأتي في آفات اللسان
كما قال المصنف

<<  <  ج: ص:  >  >>