للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم لذته عند ظهور جمال علمه لغيره

وإذا كان التعريف كشفاً للعورة مؤذياً لِلْقَلْبِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ يُعَالِجَ دَفْعَ أَذَاهُ بلطف الرفق فنقول لَهُ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُوَلَدُ عَالِمًا وَلَقَدْ كنا أيضاً جاهلين بأمور الصلاة فعلمنا العلماء ولعل قريتك خالية عن أهل العلم أو عالمها مقصر في شرح الصلاة وإيضاحها إنما شرط الصلاة الطمأنينة في الركوع والسجود

وهكذا يتلطف به ليحصل التَّعْرِيفُ مِنْ غَيْرِ إِيذَاءٍ فَإِنَّ إِيذَاءَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ مَحْذُورٌ كَمَا أَنَّ تَقْرِيرَهُ عَلَى الْمُنْكَرِ محذور وَلَيْسَ مِنَ الْعُقَلَاءِ مَنْ يَغْسِلُ الدَّمَ بِالدَّمِ أو بالبول ومن اجتنب محذور السكوت على المنكر واستبدل عنه محذور الإيذاء للمسلم مع الاستغناء عنه فقد غسل الدم بالبول علي بالتحقيق

وأما إذا وقفت على خطأ في غير أمر الدين فلا ينبغي أن ترده عليه فإنه يستفيد منك علماً ويصير لك عدواً إلا إذا علمت أنه يغتنم العلم وذلك عزيز جداً

الدرجة الثالثة النَّهْيُ بِالْوَعْظِ وَالنُّصْحِ وَالتَّخْوِيفِ بِاللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ فِيمَنْ يُقْدِمُ عَلَى الْأَمْرِ وَهُوَ عَالِمٌ بِكَوْنِهِ منكراً أو فيمن أصر عليه بعد أن عرف كونه مُنْكَرًا كَالَّذِي يُوَاظِبُ عَلَى الشُّرْبِ أَوْ عَلَى الظُّلْمِ أَوْ عَلَى اغْتِيَابِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَاهُ فَيَنْبَغِي أَنْ يُوعَظَ وَيُخَوَّفَ بِاللَّهِ تَعَالَى وَتُورَدَ عَلَيْهِ الْأَخْبَارُ الْوَارِدَةُ بِالْوَعِيدِ فِي ذَلِكَ وَتُحْكَى لَهُ سِيرَةُ السَّلَفِ وَعِبَادَةُ الْمُتَّقِينَ وَكُلُّ ذَلِكَ بِشَفَقَةٍ وَلُطْفٍ مِنْ غَيْرِ عُنْفٍ وَغَضَبٍ بَلْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ نَظَرَ الْمُتَرَحِّمِ عَلَيْهِ ويرى إقدامه على المعصية مصيبة على نفسه إذ المسلمون كنفس واحدة وههنا آفة عظيمة ينبغي أن يتوقاها فإنها مهلكة وهي أن العالم يرى عند التعريف عز نفسه بالعلم وذل غيره بالجهل فربما يقصد بالتعريف الإدلال وإظهار التمييز بشرف العلم وإذلال صاحبه بالنسبة إلى خسة الجهل

فإن كان الباعث هذا فهذا المنكر أقبح في نفسه من المنكر الذي يعترض عليه ومثال هذا المحتسب مثال من يخلص غيره من النار بإحراق نفسه وهو غاية في الجهل

وهذه مذلة عظيمة وغائلة هائلة وغرور للشيطان يتدلى بحبله كل إنسان إلا من عرفه الله عيوب نفسه وفتح بصيرته بنور هدايته فإن في الاحتكام على الغير لذة للنفس عظيمة من وجهين أحدهما من جهة العلم والآخر من جهة دالة الاحتكام والسلطنة

وذلك يرجع إلى الرياء وطلب الجاه وهو الشهوة الخفية الداعية إلى الشرك الخفي وله محك ومعيار ينبغي أن يمتحن المحتسب به نفسه وهو أن يكون امتناع ذلك الإنسان عن المنكر بنفسه أو باحتساب غيره أحب إليه من امتناعه باحتسابه

فإن كانت الحسبة شاقة عليه ثقيلة على نفسه وهو يود أن يكفى بغيره فليحتسب فإن باعثه هو الدين وإن كان اتعاظ ذلك العاصي بوعظه وانزجاره بزجره أحب إليه من اتعاظه بوعظ غيره فما هو إلا متبع هوى نفسه ومتوسل إلى إظهار جاه نفسه بواسطة حسبته فليتق الله تعالى فيه وليحتسب أولاً على نفسه

وعند هذا يقال له ما قيل لعيسى عليه السلام يا ابن مريم عظ نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحي مني

وقيل لداود الطائي رحمه الله أرأيت رجلاً دخل على هؤلاء الأمراء فأمرهم بالمعروف ونهاهم عن المنكر فقال أخاف عليه السوط قال إنه يقوى عليه قال أخاف عليه السيف قال إنه يقوى عليه قال أخاف عليه الداء الدفين وهو العجب

الدرجة الرابعة السب والتعنيف بالقول الغليظ الخشن وذلك يعدل إليه عند العجز عن المنع باللطف وظهور مبادىء الْإِصْرَارِ وَالِاسْتِهْزَاءِ بِالْوَعْظِ وَالنُّصْحِ وَذَلِكَ مِثْلَ قَوْلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ من دون الله أفلا تعقلون ولسنا نعني بالسب والفحش بما فيه نسبة إلى الزنا ومقدماته ولا الكذب بل أن يخاطبه بما فيه مما لا يعد من جملة الفحش كقوله يا فاسق يا أحمق يا جاهل ألا تخاف الله وكقوله يا سوادى يا غبي وما يجري هذا المجرى

فإن كل فاسق فهو أحمق وجاهل ولولا حمقه لما عصى الله تعالى بل كل من ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>