ومنها دخول المجانين والصبيان والسكارى في المسجد ولا بأس بدخول الصبي المسجد إذا لم يلعب ولا يحرم عليه اللعب في المسجد ولا السكوت على لعبه إلا إذا اتخذ المسجد ملعباً وصار ذلك معتاداً فيجب المنع منه فهذا مما يحل قليله دون كثيره ودليل حل قليله ما روي في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف لأجل عائشة رضي الله عنها حتى نظرت إلى الحبشة يزفنون ويلعبون بالدرق والحراب يوم العيد في المسجد ولا شك في أن الحبشة لو اتخذوا المسجد ملعباً لمنعوا منه ولم ير ذلك على الندرة والقلة منكراً حتى نظر إليه بل أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبصرهم عائشة تطييباً لقلبها إذ قال دونكم يا بني أرفدة كما نقلناه في كتاب السماع
وأما المجانين فلا بأس بدخولهم المسجد إلا أن يخشى تلويثهم له أو شتمهم أو نطقهم مما هو فحش أو تعاطيهم لما هو منكر في صورته ككشف العورة وغيره
وأما المجنون الهادىء الساكن الذي قد علم بالعادة سكونه وسكوته فلا يجب إخراجه من المسجد
والسكران في معنى المجنون فإن خيف منه القذف أعني القيء أو الإيذاء باللسان وجب إخراجه
وكذا لو كان مضطرب العقل فإنه يخاف ذلك منه وإن كان قد شرب ولم يسكر والرائحة منه تفوح فهو منكر مكروه شديد الكراهة
وكيف لا ومن أكل الثوم والبصل (١) فقد نهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حضور المساجد ولكن يحمل ذلك على الكراهة والأمر في الخمر أشد
فإن قال قائل ينبغي أن يضرب السكران ويخرج من المسجد زجراً قلنا لا بل ينبغي القعود في المسجد ويدعى إليه ويؤمر بترك الشرب مهما كان في الحال عاقلاً فأما ضربه للزجر فليس ذلك إلى الآحاد بل هو إلى الولاة وذلك عند إقراره أو شهادة شاهدين فأما لمجرد الرائحة فلا
نعم إذا كان يمشي بين الناس متمايلاً بحيث يعرف سكره فيجوز ضربه في المسجد وغير المسجد منعاً له عن إظهار أثر السكر فإن إظهار أثر الفاحشة فاحشة والمعاصي يجب تركها وبعد الفعل يجب سترها وستر آثارها فإن كان مستتراً مخفياً لأثره فلا يجوز أن يتجسس عليه
والرائحة قد تفوح من غير شرب بالجلوس في موضع الخمر وبوصوله إلى الفم دون الابتلاع فلا ينبغي أن يعول عليه مُنْكَرَاتُ الْأَسْوَاقِ
مِنَ الْمُنْكَرَاتِ الْمُعْتَادَةِ فِي الْأَسْوَاقِ الْكَذِبُ فِي الْمُرَابَحَةِ وَإِخْفَاءُ الْعَيْبِ
فَمَنْ قَالَ اشْتَرَيْتُ هَذِهِ السِّلْعَةَ مَثَلًا بِعَشَرَةٍ وَأَرْبَحُ فِيهَا كَذَا وَكَانَ كَاذِبًا فَهُوَ فَاسِقٌ
وَعَلَى مَنْ عَرَفَ ذَلِكَ أَنْ يُخْبِرَ الْمُشْتَرِيَ بِكَذِبِهِ فَإِنْ سَكَتَ مُرَاعَاةً لِقَلْبِ الْبَائِعِ كَانَ شَرِيكًا لَهُ فِي الْخِيَانَةِ وَعَصَى بِسُكُوتِهِ
وَكَذَا إِذَا عَلِمَ بِهِ عَيْبًا فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُنَبِّهَ الْمُشْتَرِيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَ رَاضِيًا بِضَيَاعِ مَالِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَهُوَ حَرَامٌ وَكَذَا التَّفَاوُتُ فِي الذِّرَاعِ وَالْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَرَفَهُ تَغْيِيرُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ رَفْعُهُ إِلَى الْوَالِي حَتَّى يُغَيِّرَهُ
ومنها ترك الإيجاب والقبول والاكتفاء بالمعاطاة ولكن ذلك في محل الاجتهاد فلا ينكر إلا على من اعتقد وجوبه
وكذا في الشروط الفاسدة المعتادة بين الناس يجب الإنكار فيها فإنها مفسدة للعقود
وكذا في الربويات كلها وهي غالبة
وكذا سائر التصرفات الفاسدة
ومنها بيع الملاهي وبيع أشكال الحيوانات المصورة في أيام العيد لأجل الصبيان فتلك يجب كسرها والمنع من بيعها كالملاهي وكذلك بيع الأواني المتخذة من الذهب والفضة وكذلك بيع ثياب الحرير وقلانس
(١) هذا الحديث لم يخرجه العراقي وقد خرجه الشارح عن البخاري ومسلم وغيرهما