للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صلى الله عليه وسلم لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم لنظروا إلى ملكوت السماء (١) حديث ابن عمر أين الله قال في قلوب عباده المؤمنين لم أجده بهذا اللفظ وللطبراني من حديث أبي عتبة الخولاني يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال إن لله آنية من أهل الأرض وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين الحديث فيه بقية بن الوليد وهو مدلس لكنه صرح فيه بالتحديث (٢) حديث قال الله ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع لم أر له أصلا وفي حديث أبي عتبة قبله عند الطبراني بعد قوله وآنية ربكم قلوب عباده الصالحين وأحبها إليه ألينها وأرقها

وفي الخبر أنه قيل يا رسول الله من خير الناس فقال كل مؤمن مخموم القلب فقيل وما مخموم القلب فقال هو التقي النقي الذي لا غش فيه ولا بغي ولا غدر ولا غل ولا حسد (٣)

ولذلك قال عمر رضي الله عنه رأى قلبي ربي

إذ كان قد رفع الحجاب بالتقوى ومن ارتفع الحجاب بينه وبين الله تجلى صورة الملك والملكوت في قلبه فيرى جنة عرض بعضها السموات والأرض أما جملتها فأكثر سعة من السموات والأرض لأن السموات والأرض عبارة عن عالم الملك والشهادة وهو وإن كان واسع الأطراف متباعد الأكناف فهو متناه على الجملة وأما عالم الملكوت وهي الأسرار الغائبة عن مشاهدة الأبصار المخصوصة بإدراك البصائر فلا نهاية له نعم الذي يلوح للقلب منه مقدار متناه ولكنه في نفسه وبالإضافة إلى علم الله لا نهاية له

وجملة عالم الملك والملكوت إذا أخذت دفعة واحدة تسمى الحضرة الربوبية لأن الحضرة الربوبية محيطة بكل الموجودات إذ ليس في الوجود شيء سوى الله تعالى وأفعاله ومملكته وعبيده من أفعاله فما يتجلى من ذلك للقلب هي الجنة بعينها عند قوم وهو سبب استحقاق الجنة عند أهل الحق ويكون سعة ملكه في الجنة بحسب سعة معرفته وبمقدار ما تجلى له من الله وصفاته وأفعاله

وإنما مراد الطاعات وأعمال الجوارح كلها تصفية القلب وتزكيته وجلاؤه {قد أفلح من زكاها} ومراد تزكيته حصول أنوار الإيمان فيه أعني إشراق نور المعرفة وهو المراد بقوله تعالى فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه

نعم هذا التجلي وهذا الإيمان له ثلاث مراتب

المرتبة الأولى إيمان العوام وهو إيمان التقليد المحض

والثانية إيمان المتكلمين وهو ممزوج بنوع استدلال ودرجته قريبة من درجة إيمان العوام

والثالثة إيمان العارفين وهو المشاهد بنور اليقين

ونبين لك هذه المراتب بمثال وهو أن تصديقك بكون زيد مثلاً في الدار له ثلاث درجات

الأولى أن يخبرك من جربته بالصدق ولم تعرفه بالكذب ولا اتهمته في القول فإن قلبك يسكن إليه ويطمئن بخبره بمجرد السماع وهذا الإيمان بمجرد التقليد وهو مثل إيمان العوام فإنهم لما بلغوا سن التمييز سمعوا من آبائهم وأمهاتهم وجود الله تعالى وعلمه وإرادته وقدرته وسائر صفاته وبعثة الرسل وصدقهم وما جاءوا به وكما سمعوا به قبلوه وثبتوا عليه واطمأنوا إليه ولم يخطر ببالهم خلاف ما قالوه لهم لحسن ظنهم بآبائهم وأمهاتهم ومعلميهم وهذا الإيمان سبب النجاة في الآخرة وأهله من أوائل رتب أصحاب اليمين وليسوا من المقربين لأنه ليس فيه كشف وبصيرة وانشراح صدر بنور اليقين إذ الخطأ ممكن فيما سمع من الآحاد بل من الأعداد فيما يتعلق


(١) {حديث} لولا أن الشياطين يحومون على قلوب بني آدم الحديث {تقدم}
إشارة إلى بعض هذه الأسباب التي هي الحجاب بين القلوب وبين الملكوك
وإليه الإشارة بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله أين الله في الأرض أو في السماء قال في قلوب عباده المؤمنين
(٢) وفي الخبر قال الله تعالى لم يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن اللين الوادع
(٣) حديث قيل من خير الناس قال كل مؤمن مخموم القلب الحديث أخرجه ابن ماجه من حديث عبد الله بن عمر بإسناد صحيح

<<  <  ج: ص:  >  >>