الله له الجنة قيل كيف وقد ظلمك فقال علمت أنني أوجر على ما نالني منه فلم أرد يكون نصيبي منه الخير ونصيبه مني الشر
ودعى أبو عثمان الحيري إلى دعوة وكان الداعي قد أراد تجربته فلما بلغ منزله قال له ليس لي وجه فرجع أبو عثمان فلما ذهب غير بعيد دعاه ثانياً فقال له يا أستاذ ارجع فرجع أبو عثمان فقال له مثل مقالته الأولى فرجع ثم دعاه الثالثة وقال ارجع على ما يوجب الوقت فرجع فلما بلغ الباب فإن له مثل مقالته الأولى فرجع أبو عثمان ثم جاءه الرابعة فرده حتى عامله بذلك مرات وأبو عثمان لا يتغير من ذلك فأكب على رجليه وقال يا أستاذ إنما أردت أن أختبرك فما أحسن خلقك فقال إن الذي رأيت مني هو خلق الكلب إن الكلب إذا دعي أجاب وإذا زجر انزجر وروي عنه أيضاً أنه اجتاز يوماً في سكة فطرحت عليه إجانة رماد فنزل عن دابته فسجد سجدة الشكر ثم جعل ينفض الرماد عن ثيابه ولم يقل شيئاً فقيل ألا زبرتهم فقال إن من استحق النار فصولح على الرماد لم يجز له أن يغضب وروي أن علي بن موسى الرضا رحمة الله عليه كان لونه يميل إلى السواد إذ كانت أمه سوداء وكان بنيسابور حمام على باب داره وكان إذا أراد دخول الحمام فرغه له الحمامي فدخل ذات يوم فأغلق الحمامي الباب ومضى في بعض حوائجه فتقدم رجل رستاقي إلى باب الحمام ففتحه ودخل فنزع ثيابه ودخل فرأى علي بن موسى الرضا فظن أنه بعض خدام الحمام فقال له قم واحمل إلي الماء فقام علي بن موسى وامتثل جميع ما كان يأمره به فرجع الحمامي فرأى ثياب الرستاقي وسمع كلامه مع علي بن موسى الرضا فخاف وهرب وخلاهما فلما خرج علي بن موسى سأل عن الحمامي فقيل له إنه خاف مما جرى فهرب قال لا ينبغي له أن يهرب إنما الذنب لمن وضع ماءه عند أمة سوداء وروي أن أبا عبد الله الخياط كان يجلس على دكانه وكان له حريف مجوسي يستعمله في الخياطة فكان إذا خاط له شيئاً حمل إليه دراهم زائفة فكان أبو عبد الله يأخذ منه ولا يخبره بذلك ولا يردها عليه فاتفق يوماً أن أبا عبد الله قام لبعض حاجته فأتى المجوسي فلم يجده فدفع إلى تلميذه الأجرة واسترجع ما قد خاطه فكان درهماً زئفا فلما نظر إليه التلميذ عرف أنه زائف فرده عليه فلما عاد أبو عبد الله أخبره بذلك فقال بئس ما عملت هذا المجوسي يعاملني بهذه المعاملة منذ سنة وأنا أصبر عليه وآخذ الدراهم منه وألقيها في البئر لئلا يغر بها مسلماً وقال يوسف بن أسباط علامة حسن الخلق عشر خصال قلة الخلاف وحسن الإنصاف وترك طلب العثرات وتحسين ما يبدو من السيئات والتماس المعذرة واحتمال الأذى والرجوع بالملامة على النفس والتفرد بمعرفة عيوب نفسه دون عيوب غيره وطلاقة الوجه للصغير والكبير ولطف الكلام لمن دونه ولمن فوقه وسئل سهل عن حسن الخلق فقال أدناه احتمال الأذى وترك المكافأة والرحمة للظالم والاستغفار له والشفقة عليه
وقيل للأحنف بن قيس مِمَّنْ تَعَلَّمْتَ الْحِلْمَ فَقَالَ مِنْ قيس بن عاصم قيل ما وبلغ من حِلْمُهُ قَالَ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي دَارِهِ إِذْ أَتَتْهُ جَارِيَةٌ لَهُ بِسَفُّودٍ عَلَيْهِ شِوَاءٌ فَسَقَطَ مِنْ يَدِهَا فَوَقَعَ عَلَى ابْنٍ لَهُ صَغِيرٍ فَمَاتَ فَدُهِشَتِ الْجَارِيَةُ فَقَالَ لَهَا لَا رَوْعَ عَلَيْكِ أَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى فقيل أن أويسا القرني كان إذا رآه الصبيان يرمونه بالحجارة فكان يقول لهم يا إخوتاه إن كان ولا بد فارموني بالصغار حتى لا تدموا ساقي فتمنعوني عن الصلاة وشتم رجل الأحنف بن قيس وهو لا يجيبه وكان يتبعه فلما قرب من الحي وقف وقال إن كان قد بقي في نفسك شيء فقله كي لا يسمعك بعض سفهاء الحي فيؤذوك وَرُوِيَ أَنَّ عليا كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ دَعَا غُلَامًا فَلَمْ يُجِبْهُ فَدَعَاهُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَلَمْ يُجِبْهُ فَقَامَ إِلَيْهِ فَرَآهُ مُضْطَجِعًا فَقَالَ أَمَا تَسْمَعُ يَا غُلَامُ قَالَ بَلَى قَالَ فَمَا حَمَلَكَ عَلَى تَرْكِ إِجَابَتِي قَالَ أَمِنْتُ عُقُوبَتَكَ فتكاسلت فقال امْضِ فَأَنْتَ حُرٌّ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَتِ امْرَأَةٌ لِمَالِكِ بْنِ دِينَارٍ رَحِمَهُ اللَّهُ