للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في ترك الشهوات من المباحات ويعظم الخطر في تناولها حتى قال صلى الله عليه وسلم شرار أمتي الذين يأكلون مخ الحنطة (١) وهذا ليس بتحريم بل هو مباح على معنى أن من أكله مرة أو مرتين لم يعص ومن دام عليه أيضاً فلا يعصي بتناوله ولكن تتربى نفسه بالنعيم فتأنس بالدنيا وتألف اللذات وتسعى في طلبها فيجرها ذلك إلى المعاصي فهم شرار الأمة لأن مخ الحنطة يقودهم إلى اقتحام أمور تلك الأمور معاص

وقال صلى الله عليه وسلم شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم ونبتت عليه أجسامهم (٢) وإنما همتهم ألوان الطعام وأنواع اللباس ويتشدقون في الكلام وأوحى الله تعالى إلى موسى عليه السلام اذكر أنك ساكن القبر فإن ذلك يمنعك من كثير الشهوات وقد اشتد خوف السلف من تناول لذيذ الأطعمة وتمرين النفس عليها ورأوا أن ذلك علامة الشقاوة ورأوا منع الله تعالى منه غاية السعادة حتى روى أن وهب بن منبه قال التقى ملكان في السماء الرابعة فقال أحدهما للآخر من أين قال أمرت بسوق حوت من البحر اشتهاه فلان اليهودي لعنه الله وقال الآخر أمرت بإهراق زيت اشتهاه فلان العابد فهذا تنبيه على أن تيسير أسباب الشهوات ليس من علامات الخير ولهذا امتنع عمر رضي الله عنه عن شربة ماء بارد بعسل وقال اعزلوا عني حسابها فلا عبادة لله تعالى أعظم من مخالفة النفس في الشهوات بالشهوات وترك اللذات كما أوردناه في كتاب رياضة النفس وقد روى نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان مريضاً فاشتهى سمكة طرية فالتمست له بالمدينة فلم توجد ثم وجدت بعد كذا وكذا فاشتريت له بدرهم ونصف فشويت وحملت إليه على رغيف فقام سائل على الباب فقال للغلام لفها برغيفها وادفعها إليه فقال له الغلام أصلحك الله قد اشتهيتها منذ كذا وكذا فلم نجدها فلما وجدتها اشتريتها بدرهم ونصف فنحن نعطيه ثمنها فقال لفها وادفعها إليه ثم قال الغلام للسائل هل لك أن تأخذ درهماً وتتركها قال نعم فأعطاه درهماً وأخذها وأتى بها فوضعها بين يديه وقال قد أعطيته درهماً وأخذتها منه فقال لفها وادفعها إليه ولا تأخذ منه الدرهم فإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول أيما امريء اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر بها على نفسه غفر الله لَهُ (٣) وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سددت كلب الجوع برغيف وكوز من الماء القراح فعلى الدنيا وأهلها الدمار (٤) أشار إلى أن المقصود رد ألم الجوع والعطش ودفع ضررهما دون التنعم بلذات الدنيا وبلغ عمر رضي الله عنه أن يزيد بن أبي سفيان يأكل أنواع الطعام فقال عمر لمولى له إذا علمت أنه قد حضر عشاؤه فأعلمني فأعلمه فدخل عليه فقرب عشاؤه فأتوه بثريد لحم فأكل معه عمر ثم قرب الشواء وبسط يزيد يده وكف عمر يده وقال الله الله يا يزيد بن أبي سفيان أطعام بعد طعام والذي نفس عمر بيده لئن خالفتم عن سنتهم ليخالفن بكم عن طريقهم وعن يسار بن عمير قال ما نخلت لعمر دقيقاً قط إلا وأنا له عاص وروي أن عتبة الغلام كان يعجن دقيقه ويجففه في الشمس ثم يأكله ويقول كسرة وملح حتى يتهيأ في الآخرة الشواء والطعام الطيب وكان يأخذ الكوز فيغرف به من جب كان في الشمس نهاره


(١) حديث شرار أمتي الذين يأكلون مخ الحنطة لم أجد له أصلا
(٢) حديث شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الحديث أخرجه ابن عدي في الكامل ومن طريقه البيهقي في شعب الإيمان من حديث فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وروي من حديث فاطمة بنت الحسين مرسلا قال الدارقطني في العلل أنه أشبه بالصواب ورواه أبو نعيم في الحلية من حديث عائشة بإسناد لا بأس به
(٣) حديث نافع أن ابن عمر كان مريضاً فاشتهى سمكة الحديث وفيه سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول أيما امريء اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر بها على نفسه غفر الله له أخرجه أبو الشيخ ابن حبان في كتاب الثواب بإسناد ضعيف جدا ورواه ابن الجوزي في الموضوعات
(٤) حديث إذا سددت كلب الجوع برغيف وكوز من الماء القراح فعلى الدنيا وأهلها الدمار أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف

<<  <  ج: ص:  >  >>