للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مَنْ سَلَّمَ عَلَيْكَ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَارْدُدْ عَلَيْهِ السَّلَامَ وَإِنْ كَانَ مَجُوسِيًّا إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أو ردوها} وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا لَوْ قَالَ لِي فرعون خيراً لرددت عليه وقال أنس قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم إن في الجنة لغرفاً يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام وألان الكلام (١) وروي أن عيسى عليه السلام مر به خنزير فقال مر بسلام فقيل يا روح الله أتقول هذا لخنزير فقال أكره أن أعود لساني الشر وقال نبينا صلى الله عليه وسلم الكلمة الطيبة صدقة (٢) وقال اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَإِنْ لَمْ تجدوا فبكلمة طيبة (٣) وَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْبِرُّ شَيْءٌ هَيِّنٌ وَجْهٌ طَلِيقٌ وَكَلَامٌ لَيِّنٌ وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْكَلَامُ اللَّيِّنُ يَغْسِلُ الضَّغَائِنَ الْمُسْتَكِنَّةَ فِي الجوارح وقال بعض الحكماء كُلُّ كَلَامٍ لَا يُسْخِطُ رَبَّكَ إِلَّا أَنَّكَ تُرْضِي بِهِ جَلِيسَكَ فَلَا تَكُنْ بِهِ عَلَيْهِ بخيلاً فإنه لعله يعوضك منه ثواب المحسنين وهذا كله في فضل الكلام الطيب وتضاده الخصومة والمراء والجدال واللجاج فإنه الكلام المستكره الموحش المؤذي للقلب المنغص للعيش المهيج للغضب الموغر للصدر نسأل الله حسن التوفيق بمنه وكرمه الآفة السادسة

التقعر في الكلام بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيبات والمقدمات وما جرى به عادة المتفاصحين المدعين للخطابة وكل ذلك من التصنع المذموم ومن التكلف الممقوت الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأتقياء أمتي برءاء من التكلف وقال صلى الله عليه وسلم إن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلساً الثرثارون المتفيهقون المتشدقون في الكلام (٤) وقالت فاطمة رضي الله عنها قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم يأكلون ألوان الطعام ويلبسون ألوان الثياب ويتشدقون في الكلام (٥)

وقال صلى الله عليه وسلم ألا هلك المتنطعون ثلاث مرات (٦) حديث سعد يأتي على الناس زمان يتخللون الكلام بألسنتهم كما تتخلل البقرة الكلأ بلسانها رواه أحمد // وكأنه أنكر عليه ما قدمه على الكلام من التشبب والمقدمة المصنوعة المتكلفة وهذا أيضاً من آفات اللسان ويدخل فيه كل سجع متكلف وكذلك التفاصح الخارج عن حد العادة وكذلك التكلف بالسجع في المحاورات إذ قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغرة في الجنين فقال بعض قوم الجاني كيف ندى من لا شرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل


(١) حديث أنس إن في الجنة لغرفاً يرى ظاهرها من باطنها الحديث أخرجه الترمذي وقد تقدم
(٢) حديث الكلمة الطيبة صدقة أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة
(٣) حديث اتقوا النار ولو بشق تمرة الحديث متفق عليه من حديث عدي بن حاتم وقد تقدم
(٤) حديث إن أبغضكم إلى الله وأبعدكم مني مجلساً الثرثارون المتفيهقون المتشدقون أخرجه أحمد من حديث أبي ثعلبة وهو عند الترمذي من حديث جابر وحسنه بلفظ إن أبغضكم إلي
(٥) حديث فاطمة شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم الحديث وفيه ويتشدقون أخرجه ابن أبي الدنيا والبيهقي في الشعب
(٦) حديث ألا هلك المتنطعون من حديث ابن مسعود والتنطع هو التعمق والاستقصاء وقال عمر رضي الله عنه شقاشق الكلام من شقاشق الشيطان وجاء عمر بن سعد بن أبي وقاص إلى أبيه سعد يسأله حاجة فتكلم بين يدي حاجته بكلام فقال له سعد ما كنت من حاجتك بأبعد منك اليوم إني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول يأتي على الناس زمان يتخللون الكلام بألسنتهم كما تتخلل البقرة الكلأ بلسانها

<<  <  ج: ص:  >  >>