للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا درهم إنما يؤخذ من حسناته فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فزيدت على سيئاته (١) وقالت عائشة رضي الله عنها لامرأة قالت لأخرى أنها طويلة الذيل قد اغتبتيها فاستحليها فإذن لا بد من الاستحلال إن قدر عليه فإن كان غائباً أو ميتاً فينبغي أن يكثر له الاستغفار والدعاء ويكثر من الحسنات

فإن قلت فالتحليل هل يجب فأقول لا لأنه تبرع والتبرع فضل وليس بواجب ولكنه مستحسن وسبيل المعتذر أن يبالغ في الثناء عليه والتودد إليه ويلازم ذلك حتى يطيب قلبه فإن لم يطب قلبه كان اعتذاره وتودده حسنة محسوبة له يقابل بها سيئة الغيبة في القيامة

وكان بعض السلف لا يحلل قال سعيد بن المسيب لا أحلل من ظلمني وقال ابن سيرين إني لم أحرمها عليه فأحللها له إن الله حرم الغيبة عليه وما كنت لأحلل ما حرم الله أبداً

فإن قلت فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ينبغي أن يستحلها وتحليل ما حرمه الله تعالى غير ممكن فنقول المراد به العفو عن المظلمة لا أن ينقلب الحرام حلالاً وما قاله ابن سيرين حسن في التحليل قبل الغيبة فإنه لا يجوز له أن يحلل لغيره الغيبة

فإن قلت فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كأبي ضمضم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي قد تصدقت بعرضي على الناس (٢) حديث نزول {خذ العفو} الآية فقال يا جبريل {ما هذا} فقال إن الله يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتَصِلَ مَنْ قطعك وتعطي من حرمك تقدم في رياضة النفس // وروي عن الحسن أن رجلاً قال له إن فلانا قد اغتابك فعبث إليه رطباً على طبق وقال قد بلغني أنك أهديت إلي من حسناتك فأردت أن أكافئك عليها فاعذرني فإني لا أقدر أن أكافئك على التمام الْآفَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ النَّمِيمَةُ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {هماز مشاء بنميم} ثم قال {عتل بعد ذلك زنيم} قال عبد الله بن المبارك الزنيم ولد الزنا الذي لا يكتم الحديث وأشار به إلى أن كل من لم يكتم الحديث ومشى بالنميمة دل على أنه ولد زنا استنباطاً من قوله عز وجل {عتل بعد ذلك زنيم} والزنيم هو الدعى وقال تعالى {ويل لكل همزة لمزة} قيل الهمزة النمام


(١) حديث من كانت له عند أخيه مظلمة من عرض أول مال فليتحلله الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة
(٢) حديث أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ كأبي ضمضم كَانَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي تصدقت بعرضي على الناس أخرجه البزار وابن السني في اليوم والليلة والعقيلي في الضعفاء من حديث أنس بسند ضعيف وذكره ابن عبد البر من حديث ثابت مرسلا عند ذكر أبي ضمضم في الصحابة قلت وإنما هو رجل ممن كان قبلنا كما عند البزار والعقيلي فكيف يتصدق بالعرض ومن تصدق به فهل يباح تناوله فإن كان لا تنفذ صدقته فما معنى الحث عليه فنقول معناه أني لَا أَطْلُبُ مَظْلِمَةً فِي الْقِيَامَةِ مِنْهُ وَلَا أخاصمه وإلا فلا تصير الغيبة حلالاً به ولا تسقط المظلمة عنه لأنه عفو قبل الوجوب إلا أنه وعد وله العزم على الوفاء بأن لا يخاصم فإن رجع وخاصم كان القياس كسائر الحقوق أن له ذلك بل صرح الفقهاء أن من أباح القذف لم يسقط حقه من حد القاذف ومظلمة الآخرة مثل مظلمة الدنيا وعلى الجملة فالعفو أفضل
قال الحسن إذا جثت الأمم بين يدي الله عز وجل يوم القيامة نودوا ليقم من كان له أجر على الله فلا يقوم إلا العافون عن الناس في الدنيا وقد قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وأعرض عن الجاهلين} فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا جبريل ما هذا العفو فقال إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ وَتَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>