للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيداً ابسط خلقك للقريب والبعيد وأمسك جهلك عن الكريم واللئيم واحفظ إخوانك وصل أقاربك وآمنهم من قبول قول ساع أو سماع باغ يريد فسادك ويروم خداعك وليكن إخوانك من إذا فارقتهم وفارقوك لم تعبهم ولم يعيبوك وقال بعضهم النميمة مبنية على الكذب والحسد والنفاق وهي أثافي الذل وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ صَحَّ مَا نَقَلَهُ النَّمَّامُ إليك لكان هو المجتريء بِالشَّتْمِ عَلَيْكَ وَالْمَنْقُولُ عَنْهُ أَوْلَى بِحِلْمِكَ لِأَنَّهُ لم يقابلك بشتمك

وعلى الجملة فشر النمام عظيم ينبغي أن يتوقى قال حماد بن سلمة باع رجل عبداً وقال للمشتري ما فيه عيب إلا النميمة قال رضيت فاشتراه فمكث الغلام أياماً ثم قال لزوجة مولاه إن سيدي لا يحبك وهو يريد أن يتسرى عليك فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات حتى أسحره عليها فيحبك ثم قال للزوج إن امرأتك اتخذت خليلاً وتريد أن تقتلك فتناوم لها حتى تعرف ذلك فتناوم لها فجاءت المرأة بالموسى فظن أنها تريد قتله فقام إليها فقتلها فجاء أهل المرأة فقتلوا الزوج ووقع القتال بين القبيلتين فنسأل الله حسن التوفيق الآفة السابعة عشرة

كلام ذي اللِّسَانَيْنِ الَّذِي يَتَرَدَّدُ بَيْنَ الْمُتَعَادِيَيْنِ وَيُكَلِّمُ كُلَّ واحد منهما بكلام يوافقه وقلما يخلو عنه من يشاهد متعاديين وذلك عين النفاق

قال عمار بن ياسر قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة (١) وقال أبو هريرة قال سول الله صلى الله عليه وسلم تجدون من شر عباد الله يوم القيامة ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بحديث وهؤلاء بحديث (٢) وفي لفظ آخر الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه وقال أبو هريرة لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أميناً عند الله وقال مالك بن دينار قرأت في التوراة بطلت الأمانة والرجل مع صاحبه بشفتين مختلفتين يهلك الله تعالى يوم القيامة كل شفتين مختلفتين وقال صلى الله عليه وسلم أبغض خليقة الله إلى الله يوم القيامة الكذابون والمستكبرون والذين يكثرون البغضاء لإخوانهم في صدورهم فإذا لقوهم تملقوا لهم والذين إذا دعوا إلى الله ورسوله كانوا بطاء وإذا دعوا إلى الشيطان وأمره كانوا سراعاً (٣)

وقال ابن مسعود لا يكونن أحدكم إمعة قالوا وما الإمعة قال الذي يجري مع كل ريح واتفقوا على أن ملاقاة الاثنين بوجهين نفاق وللنفاق علامات كثيرة وهذه من جملتها

وقد روي أن رجلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم مات فلم يصل عليه حذيفة فقال له عمر يموت رجل مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ولم تصل عليه فقال يا أمير المؤمنين إنه منهم فقال نشدتك الله أنا منهم أم لا قال اللهم لا ولا أؤمن منها أحداً بعدك

فإن قلت بماذا يصير الرجل ذا لسانين وما حد ذلك فأقول إِذَا دَخَلَ عَلَى مُتَعَادِيَيْنِ وَجَامَلَ كُلَّ وَاحِدٍ منهما وكان صادقاً فيه لم يكن منافقاً ولا ذا لسانين فإن الواحد قد يصادق متعاديين ولكن صداقة ضعيفة لا تنتهي إلى حد الأخوة إذ لو تحققت الصداقة لاقتضت معادة الأعداء كما ذكرنا في كتاب آداب الصحبة والأخوة نعم لو نقل


(١) حديث عمار بن ياسر من كان له وجهان في الدنيا كان له لسانان من نار يوم القيامة أخرجه البخاري في كتاب الأدب المفرد وأبو داود بسند حسن
(٢) حديث أبي هريرة تجدون من شر عباد الله يوم القيامة ذا الوجهين الحديث متفق عليه بلفظ تجد من شر الناس لفظ البخاري وهو عند ابن أبي الدنيا بلفظ مصنف
(٣) حديث أبغض خليقة الله إلى الله يوم القيامة الكذابون والمستكبرون والذين يكثرون البغضاء لإخوانهم في صدورهم فإذا لقوهم تملقوا لهم الحديث لم أقف له على أصل

<<  <  ج: ص:  >  >>