للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عما شئت فأخبرك فقال ما أريد أن أسألك عن شيء قال فولى مدبراً فقال الراهب ألا تسمع قال بلى قال أخبرني أي أخلاق بني آدم أعون لك عليهم فقال الحدة إن الرجل إذا كان حديداً قلبناه كما يقلب الصبيان الكرة

وقال خيثمة الشيطان يقول كيف يغلبني ابن آدم وإذا رضي جئت حتى أكون في قلبه وإذا غضب طرت حتى أكون في رأسه وقال جعفر بن محمد الْغَضَبُ مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ وَقَالَ بَعْضُ الْأَنْصَارِ رَأْسُ الْحُمْقِ الْحِدَّةُ وَقَائِدُهُ الْغَضَبُ وَمَنْ رَضِيَ بِالْجَهْلِ اسْتَغْنَى عَنِ الْحِلْمِ وَالْحِلْمُ زَيْنٌ وَمَنْفَعَةٌ وَالْجَهْلُ شَيْنٌ وَمَضَرَّةٌ وَالسُّكُوتُ عَنْ جَوَابِ الْأَحْمَقِ جوابه وقال مجاهد قال إبليس ما أعجزني بنو آدم فلن يعجزوني في ثلاث إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فقدناه حيث شئنا وعمل لنا بما أحببنا وإذا غضب قال بما لا يعلم وعمل بما يندم ونبخله بما في يديه ونمنيه بما لا يقدر عليه وقيل لحكيم ما أملك فلاناً لنفسه قال إذاً لا تذله الشهوة ولا يصرعه الهوى ولا يغلبه الغضب وقال بعضهم إياك والغضب فإنه يصيرك إلى ذلة الاعتذار وقيل اتقوا الغضب فإنه يفسد الإيمان كما يفسد الصبر العسل وقال عبد الله بن مسعود انظروا إلى حلم الرجل عند غضبه وأمانته عند طمعه وما علمك بحلمه إذا لم يغضب وما علمك بأمانته إذا لم يطمع وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عامله أن لا تعاقب عند غضبك وإذا غضبت على رجل فأحبسه فإذا سكن غضبك فأخرجه فعاقبه على قدر ذنبه ولا تجاوز به خمسة عشر سوطاً

وقال علي بن زيد أغلظ رجل من قريش لعمر بن عبد العزيز القول فأطرق عمر زماناً طويلاً ثم قال أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان فأنال منك اليوم ما تناله مني غداً وقال بعضهم لابنه يا بني لا يثبت العقل عند الغضب كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة فأقل الناس غضباً أعقلهم فإن كان للدنيا كان دهاء ومكراً وإن كان للآخرة كان حلماً وعلماً فقد قيل الغضب عدو العقل والغضب غول العقل

وكان عمر رضي الله عنه إذا خطب قال في خطبته أفلح منكم من حفظ من الطمع والهوى والغضب وقال بعضهم من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار وَقَالَ الحسن مِنْ عَلَامَاتِ الْمُسْلِمِ قُوَّةٌ فِي دِينٍ وَحَزْمٌ فِي لِينٍ وَإِيمَانٌ فِي يَقِينٍ وَعِلْمٌ فِي حِلْمٍ وَكَيْسٌ فِي رِفْقٍ وَإِعْطَاءٌ فِي حَقٍّ وَقَصْدٌ فِي غِنًى وَتَجَمُّلٌ فِي فَاقَةٍ وَإِحْسَانٌ فِي قُدْرَةٍ وَتَحَمُّلٌ فِي رَفَاقَةٍ وَصَبْرٌ فِي شِدَّةٍ لَا يَغْلِبُهُ الْغَضَبُ وَلَا تَجْمَحُ بِهِ الْحَمِيَّةُ وَلَا تَغْلِبُهُ شَهْوَةٌ وَلَا تَفْضَحُهُ بِطْنَةٌ وَلَا يَسْتَخِفُّهُ حِرْصُهُ وَلَا تَقْصُرُ بِهِ نِيَّتُهُ فَيَنْصُرُ الْمَظْلُومَ وَيَرْحَمُ الضَّعِيفَ وَلَا يَبْخَلُ وَلَا يُبَذِّرُ وَلَا يُسْرِفُ وَلَا يُقَتِّرُ يَغْفِرُ إِذَا ظُلِمَ وَيَعْفُو عَنِ الْجَاهِلِ نَفْسُهُ مِنْهُ فِي عَنَاءٍ وَالنَّاسُ مِنْهُ فِي رَخَاءٍ

وقيل لعبد الله بن المبارك أجمل لنا حسن الخلق في كلمة

فقال اترك الغضب

وقال نبي من الأنبياء لمن تبعه من يتكفل لي أن لا يغضب فيكون معي في درجتي ويكون بعدي خليفتي فقال شاب من القوم أنا ثم أعاد عليه فقال الشاب أنا أوفي به فلما مات كان في منزلته بعده وهو ذو الكفل سمي به لأنه تكفل بالغضب ووفى به

وقال وهب بن منبه للكفر أربعة أركان الغضب والشهوة والخرق والطمع

بيان حقيقة الغضب

اعلم أن الله تعالى لما خلق الحيوان معرضاً للفساد والموتان بأسباب في داخل بدنه وأسباب خارجة عنه أنعم عليه بما يحميه عن الفساد ويدفع عنه الهلاك إلى أجل معلوم سماه في كتابه

أما السبب الداخلي فهو أنه ركبه من الحرارة والرطوبة وجعل بين الحرارة والرطوبة عداوة ومضادة فلا تزال الحرارة تحلل الرطوبة وتجففها وتبخرها حتى تصير أجزاؤها بخاراً يتصاعد منها فلو لم يصل بالرطوبة مدد من الغذاء يجبر ما انحل وتبخر من أجزائها لفسد الحيوان فخلق الله الغذاء الموافق لبدن الحيوان وخلق في

<<  <  ج: ص:  >  >>