للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يدخله إلا من شفى غيظه بمعصية اللَّهُ تَعَالَى (١)

وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانا (٢)

وقال صلى الله عليه وسلم من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق ويخيره من أي الحور شاء (٣)

الآثار قال عمر رضي الله عنه من اتقى الله لم يشف غيظه ومن خاف الله لم يفعل ما يشاء ولولا يوم القيامة لكان غير ما ترون وقال لقمان لابنه يا بني لا تذهب ماء وجهك بالمسألة ولا تشف غيظك بفضيحتك واعرف قدرك تنفعك معيشتك وقال أيوب حلم ساعة يدفع شراً كثيراً

واجتمع سفيان الثوري وأبو خزيمة اليربوعي والفضيل بن عياض فتذاكروا الزهد فأجمعوا على أن أفضل الأعمال الحلم عند الغضب والصبر عند الجزع

وقال رجل لعمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاللَّهِ مَا تَقْضِي بِالْعَدْلِ وَلَا تُعْطِي الْجَزْلَ فَغَضِبَ عمر حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يا أمير المؤمنين ألا تسمع إلى الله تعالى يقول {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} فهذا من الجاهلين فقال عمر صدقت فكأنما كانت ناراً فأطفئت وقال محمد بن كعب ثلاث من كن فيه استكمل الإيمان بالله إذا رضي لم يدخله رضاه في الباطل وإذا غضب لم يخرجه غضبه عن الحق وإذا قدر لم يتناول ما ليس له وجاء رجل إلى سلمان فقال يا عبد الله أوصني قال لا تغضب قال لا أقدر قال فإن غضبت فأمسك لسانك ويدك

بيان فَضِيلَةُ الْحِلْمِ

اعْلَمْ أَنَّ الْحِلْمَ أَفْضَلُ مِنْ كظم الغيظ لِأَنَّ كَظْمَ الْغَيْظِ عِبَارَةٌ عَنِ التَّحَلُّمِ أَيْ تَكَلُّفِ الْحِلْمِ وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى كَظْمِ الْغَيْظِ إِلَّا مِنْ هَاجَ غَيْظُهُ وَيَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى مُجَاهَدَةٍ شَدِيدَةٍ وَلَكِنْ إِذَا تَعَوَّدَ ذَلِكَ مُدَّةً صار ذلك اعتياداً فَلَا يَهِيجُ الْغَيْظُ وَإِنْ هَاجَ فَلَا يَكُونُ فِي كَظْمِهِ تَعَبٌ وَهُوَ الْحِلْمُ الطَّبِيعِيُّ وَهُوَ دَلَالَةُ كَمَالِ الْعَقْلِ وَاسْتِيلَائِهِ وَانْكِسَارِ قُوَّةِ الْغَضَبِ وَخُضُوعِهَا لِلْعَقْلِ وَلَكِنِ ابْتِدَاؤُهُ الْتَّحَلُّمُ وَكَظْمُ الْغَيْظِ تكلفاً

قال صلى الله عليه وسلم إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ومن يتخير الخير يعطه ومن يتوق الشر يوقه (٤) وأشار بهذا إِلَى أَنَّ اكْتِسَابَ الْحِلْمِ طَرِيقُهُ التَّحَلُّمُ أَوَّلًا وَتَكَلُّفُهُ كَمَا أَنَّ اكْتِسَابَ الْعِلْمِ طَرِيقُهُ التَّعَلُّمُ

وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة والحلم لينوا لمن تعلمون ولمن تتعلمون منه ولا تكونوا من جبابرة العلماء فيغلب جهلكم حلمكم (٥)

وأشار بهذا إلى أن التكبر والتجبر هو الذي يهيج الغضب ويمنع من الحلم واللين

وكان من دعائه صلى الله عليه وسلم اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية (٦)

وقال أبو هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم {ابتغوا}


(١) حديث ابن عباس إن لجهنم باباً لا يدخل منه إلا من شفى غيظه بمعصية الله تقدم في آفات اللسان
(٢) حديث ما من جرعة أحب إلى الله تعالى من جرعة غيظ كظمها عبد وما كظمها عبد إلا ملأ الله قلبه إيمانا أخرجه ابن أبي الدنيا من حديث ابن عباس وفيه ضعف وبتلفق من حديث ابن عمر وحديث الصحابي الذي لم يسم وقد تقدما
(٣) حديث من كظم غيضا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي الحور شاء تقدم في آفات اللسان
(٤) حديث إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم الحديث أخرجه الطبراني والدارقطني في العلل من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف
(٥) حديث أبي هريرة اطلبوا العلم واطلبوا مع العلم السكينة والحلم الحديث أخرجه ابن السني في رياضة المتعلمين بسند ضعيف
(٦) حديث كان من دعائه اللهم أغنني بالعلم وزيني بالحلم وأكرمني بالتقوى وجملني بالعافية لم أجد له أصلا

<<  <  ج: ص:  >  >>