للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طائفة منهم إلى غير ذلك من صناعات الملك فيحدث من ذلك بعد الجند الذين هم أهل السلاح وبعد الملك الذي يراقبهم بالعين الكالئة ويدبرهم الحاجة إلى الكتاب والخزان والحساب والجباة والعمال

ثم هؤلاء أيضاً يحتاجون إلى معيشة ولا يمكنهم الاشتغال بالحرف فتحدث الحاجة إلى مال الفرع مع مال الأصل وهو المسمى فرع الخراج وعند هذا يكون الناس في الصناعات ثلاث طوائف الفلاحون والرعاة والمحترفون

والثانية الجندية الحماة بالسيوف

والثالثة المترددون بين الطائفتين في الأخذ والعطاء وهم العمال والجباة وأمثالهم فانظر كيف ابتدأ الأمر من حاجة القوت والملبس والمسكن وإلى ماذا انتهى

وهكذا أمور الدنيا لا يفتح منها باب إلا وينفتح بسببه أبواب أخر وهكذا تتناهى إلى غير حد محصور كأنها هاوية لا نهاية لعمقها من وقع في مهواة منها سقط منها إلى أخرى وهكذا على التوالي فهذه هي الحرف والصناعات إلا أنها لا تتم إلا بالأموال والآلات والمال عبارة عن أعيان الأرض وما عليها مما ينتفع به وأعلاها الأغذية ثم الأمكنة التي يأوي الإنسان إليها وهي الدور ثم الأمكنة التي يسعى فيها للتعيش كالحوانيت والأسواق والمزارع ثم الكسوة ثم أثاث البيت وآلاته ثم آلات الآلات وقد يكون الآلات ما هو حيوان كالكلب آلة الصيد والبقر آلة الحراثة والفرس آلة الركوب في الحرب ثم يحدث من ذلك حاجة البيع فإن الفلاح ربما يسكن قرية ليس فيها آلة الفلاحة والحداد والنجار يسكنان قرية لا يمكن فيها الزراعة فبالضرورة يحتاج الفلاح إليهما ويحتاجان إلى الفلاح فيحتاج أحدهما أن يبذل ما عنده للآخر حتى يأخذ منه غرضه وذلك بطريق المعاوضة إلا أن النجار مثلاً إذا طلب من الفلاح الغذاء بآلته ربما لا يحتاج الفلاح في ذلك الوقت إلى آلته فلا يبيعه والفلاح إذا طلب الآلة من النجار بالطعام ربما كان عنده طعام في ذلك الوقت فلا يحتاج إليه فتتعوق الأغراض فاضطروا إلى حانوت يجمع آلة كل صناعة ليترصد بها صاحبها أرباب الحاجات وإلى أبيات يجمع إليها ما يحمل الفلاحون فيشتريه منهم صاحب الأبيات ليترصد به أرباب الحاجات فظهرت لذلك الأسواق والمخازن فيحمل الفلاح الحبوب فإذا لم يصادف محتاجاً باعها بثمن رخيص من الباعة فيخزنونها في انتظار أرباب الحاجات طمعا في الربح وكذلك في جميع الأمتعة والأموال ثم يحدث لا محالة بين البلاد والقرى تردد فيتردد الناس يشترون من القرى الأطعمة ومن البلاد الآلات وينقلون ذلك ويتعيشون به لتنتظم أمور الناس في البلاد بسببهم إذ كل بلد ربما لا توجد فيه كل آلة وكل قرية لا يوجد فيها كل طعام فالبعض يحتاج إلى البعض فيحوج إلى النقل فيحدث التجار المتكفلون بالنقل وباعثهم عليه حرص جمع المال لا محالة فيتعبون طول الليل والنهار في الأسفار لغرض غيرهم ونصيبهم منها جمع المال الذي يأكله لا محالة غيرهم إما قاطع طريق وإما سلطان ظالم ولكن جعل الله تعالى في غفلتهم وجهلهم نظاماً للبلاد ومصلحة للعباد بل جميع أمور الدنيا انتظمت بالغفلة وخسة الهمة

ولو عقل الناس وارتفعت هممهم لزهدوا في الدنيا ولو فعلوا ذلك لبطلت المعايش ولو بطلت لهلكوا ولهلك الزهاد أيضاً ثم هذه الأموال التي تنقل لا يقدر الإنسان على حملها فتحتاج إلى دواب تحملها وصاحب المال قد لا تكون له دابة فتحدث معاملة بينه وبين مالك الدابة تسمى الإجارة ويصير الكراء نوعاً من الاكتساب أيضاً ثم يحدث بسبب البياعات الحاجة إلى النقدين فإن من يريد أن يشتري طعاماً بثوب فمن أين يدري المقدار الذي يساويه من الطعام كم هو والمعاملة تجري في أجناس مختلفة كما يباع ثوب بطعام وحيوان بثوب وهذه أمور لا تتناسب فلا بد من حاكم عدل يتوسط بين المتبايعين يعدل أحدهما بالآخر فيطلب ذلك العدل من أعيان الأموال ثم يحتاج إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>