ما في يديك وأما الحياء فهو الذي يمنعك عن تبليغنا ما أنت عليه وقد أمرت لك بمائة ألف درهم فإن كنت قد أصبت فازدد في بسط يدك وإن لم أكن قد أصبت فجنايتك على نفسك وأنت حدثتني وكنت على قضاء الرشيد عن محمد بن إسحق عن الزهري عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للزبير بن العوام يا زبير اعلم أن مفاتيح أرزاق العباد بإزاء العرش يبعث الله عز وجل إلى كل عبد بقدر نفقته فمن كثر كثر له ومن قلل قلل له وأنت أعلم (١)
قال الواقدي فوالله لمذاكرة المأمون إياي بالحديث أحب إلى من الجائزة وهي مائة ألف درهم
وسأل رجل الحسن بن علي رضي الله عنهما حاجة فقال له يا هذا حق سؤالك إياي يعظم لدي ومعرفتي بما يجب لك تكبر علي ويدي تعجز عن نيلك بما أنت أهله والكثير في ذات الله تعالى قليل وما في ملكي وفاه لشكرك فإن قبلت الميسور ورفعت عني مؤنة الاحتمال والاهتمام لما أتكلفه من واجب حقك فعلت فقال يا ابن رسول الله أقبل وأشكر العطية وأعذر علي المنع فدعا الحسن بوكيله وجعل يحاسبه على نفقاته حتى استقصاها فقال هات الفضل من الثلثمائة ألف درهم فأحضر خمسين ألف قال فما فعلت بالخمسمائة دينار قال هي عندي قال أحضرها فأحضرها فدفع الدنانير والدراهم إلى الرجل وقال هات من يحملها لك فأتاه بحمالين فدفع إليه الحسن رداءه لكراء الحمالين فقال له مواليه والله ما عندنا درهم فقال أرجو أن يكون لي عند الله أجر عظيم
واجتمع قراء البصرة إلى ابن عباس وهو عامل بالبصرة فقالوا لنا جار صوام قوام يتمنى كل واحد منا أن يكون مثله وقد زوج بنته من ابن أخيه وهو فقير وليس عنده ما يجهزها به فقام عبد الله بن عباس فأخذ بأيديهم وأدخلها داره وفتح صندوقا فأخرج منه ست بدر فقال احملوا فحملوا فقال ابن عباس ما أنصفناه أعطيناه ما يشغله عن قيامه وصيامه ارجعوا بنا نكن أعوانه على تجهيزها فليس للدنيا من القدر ما يشغل مؤمناً عن عبادة ربه وما بنا من الكبر ما لا نخدم أولياء الله تعالى ففعل وفعلوا
وحكي أنه لما أجدب الناس بمصر وعبد الحميد بن سعد أميرهم فقال والله لأعلمن الشيطان أني عدوه فعال محاويجهم إلى أن رخصت الأسعار ثم عزل عنهم فرحل وللتجار عليه ألف ألف درهم فرهنهم بها حلي نسائه وقيمتها خمسمائة ألف ألف فلما تعذر عليه ارتجاعها كتب إليهم ببيعها ودفع الفاضل منها عن حقوقهم إلى من لم تنله صلاته
وكان أبو طاهر بن كثير شيعياً فقال له رجل بحق علي بن أبي طالب لما وهبت لي نخلتك بموضع كذا وكذا فقال قد فعلت وحقه لأعطينك ما يليها وكان ذلك أضعاف ما طلب الرجل
وكان أبو مرثد أحد الكرماء فمدحه بعض الشعراء فقال للشاعر والله ما عندي ما أعطيك ولكن قدمني إلى القاضي وادع علي بعشرة آلاف درهم حتى أقر لك بها ثم احبسني فإنأهلي لا يتركوني محبوساً ففعل ذلك فلم يمس حتى دفع إليه عشرة آلاف درهم وأخرج أبو مرثد من الحبس
وكان معن بن زائدة عاملاً على العراقين بالبصرة فحضر بابه شاعر فأقام مدة وأراد الدخول على معن فلم يتهيأ له فقال يوماً لبعض خدام معن إذا دخل الأمير البستان فعرفني فلما دخل الأمير البستان أعلمه فكتب الشاعر بيتاً على خشبة وألقاها في الماء الذي يدخل البستان وكان معن على رأس الماء فلما بصر بالخشبة أخذها وقرأها فإذا مكتوب عليها
(١) حديث أنس يا زبير اعلم أن مفاتيح أرزاق العباد بإزاء العرش الحديث وفي أوله قصة مع المأمون أخرجه الدارقطني فيه وفي إسناده الواقدي عن محمد بن إسحاق عن الزهري بالعنعنة ولا يصح