من ظن بالله خيرا جاد مبتدئا ... والبخل من سوء ظن المرء بالله
إذ هيهات أن يجتمع البخل واعتقاد أن من برأ الخلق قد ضمن رزقهم في
إهاب نفص مؤمنة، نعم إن المؤمن الموصول القلب بالله، المشبوب العاطفة بحب الله لا يتصور منه البخل بمال الله، على المحرومين من عباد الله، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"الخلق عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله".
لأن المال قبل ذلك وبعده مال الله جعل عليه مستخلفين من عباده، وجعل للمحرومين منه حظهم فيه وأوجبه على من استخلفهم عليه كما قال:{وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ}.
فلا عجب إذن أن تكون الزكاة طهرة للمال المؤداة منه وتزكية لنفس صاحبها
من تبعة هذا الحق المفروض عليه في ماله ولا عجب أن تذهب البركة من المال الذي لم تطهره الزكاة، فلا ينتفع به أصحابه في الدنيا ولا في الآخرى وإنما هم كما قال تعالى:{فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ}.
هذا من الناحية النفسية، أما من الناحبة الاجتماعية فأثر الزكاة أكبر لأن
المال قوام الأعمال، فإذا تضخم في جهة ونضب من الجهات الأخرى طرأ على المجتمع من الفساد ودخل عليه من الاختلال والاضطراب، ما يسرع به إلى الخراب، وما أشقى هذا المجتمع الذي يموت بعض أفراده بالتخمة بينما يهلك البعض الآخر بالجوع، ولكن شقاء الذي يموت بالتخمة أعظم، لأنه تسبب في موته وموت غيره، فهو يحمل مسئوليته ومسئولية غيره، ومن أخطر الآفات التي دخلت على المال وأصابت المجتمع الإسلامي في الصميم، آفة الربا الذي ما دخل مالا إلا محقه، ولا بيتا إلا خربه، فهو كما قال تعالى:{يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} هكذا يمحق الله الربا لأنه آفة محق وجرثومة سحق، ويربي الصدقات أي يزكيها ويزيد فيها لأنها أداة تزكية وتطهير، ووسيلة تنميه وتثمير، وهكذا "من غالب الله غلب""ولا يجني جان إلا على نفسه"{وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ}