طويت الرسالة التي حملت إلي نعي أخي- كسير القلب كسيف البال- وفزعت إلى المصحف ألتمس فيه شفاء جرحي وعزاء نفسي، وإذا بي أجدني أتلو هذه الآيات: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}.
نعم، تبارك الذي بيده الملك: ملك كل شيء، ملك نفوسنا التي بين جنوبنا، وملك أجسادنا التي تحل فيها، وملك الكون الذي نعيش فيه، وملك الهواء الذي نستنشقه فمثل هذا الملك يستحق صاحبه أن يقال فيه (تبارك) فلا عجب أن يعقب الله على ذلك بقوله: {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}، ومن أقدر على الشيء من مالكه؟ فما غرور هذا الإنسان بما يملك، وهو- وما يملك- ملك لله، ووديعة في ملك الله؟
(ولابد يوما أن ترد الودائع)
وما اطمئنانه إلى وجود، ينتهي إلى أمل محدود؟ فوجودنا- وإن طال- مهدد بالزوال فما الأسف على فائت؟ وما الحزن على مائت؟
وإذا بي أجدني مشدودا إلى هذه الآية، مأخوذا بروعتها وتأثيرها، ناسيا- ولو إلى حين- صدمة النبأ المفاجيء، بما فتحت أمامي من آفاق، متابعا التفكير في مراميها القريبة والبعيدة، مستشعرا في أعماقي قوله تعالى:{وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}.