للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٥ - على مائدة القرآن]

[بدر في القرآن]

إن آية واحدة مما نزل في يوم بدو لتوضح كل ما جرى في يوم بدر، كما تزيد توضيحا هذه الآية وهي قوله تعالى: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.

فالمفتاح الواحد لكل مغالق الأسرار هو قوله: يعذبهم بأيديكم هكذا. فليس الإنسان إلا آله تحركها يد القدر والفاعل الحقييقي لكل ما يجري في هذا الكون إنما هو الله خالق الكون ومدبره، ومن هنا نعرف معنى قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} عندما أخذ صلى الله عليه وسلم قبضة من حصى ورمى بها في وجوه المشركين وقال: "شاهت الوجوه" فكانت تلك القبضة من الحصى هي القنبلة الذرية التي كسب بها المسلمون النصر في يوم بدر فلم تبق عين من أعين المشركين إلا أصابها نصيبها من هذه القبضة أو من شظايا هذه القنبلة الربانية الهائلة فعموا عن الطريق واضطربوا وأصابهم الوهن فلكي لا يزد هي المسلمين- وفيهم رسول الله- ما كسبوه من نصر فينسوا صلتهم بالله وينسبوا نصرهم إلى أنفسم، عطفهم الله بقوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} فالرامي هو الله والآلة هي الإنسان، وليس في هذا جبر أو توكل أشل وإنما هو جار على قاعدة أن الله واهب القوى جميعها فهذا المال الذي يبدو أن تحصيله نتيجه جد وكد وثمرة خبرة ومعرفه بوجوه الكسب لا ينسبه الله إلى صاحبه، وإنما يقول: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} كما يقول: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ} وليس في هذا أيضا ما يشل من عزيمة الإنسان وإرادته أو يقعد به عن السعي والطلب، بل بالعكس يجعله قوي الثقة بالله وثيق الصلة به فيطلب المال من وجوه الحلال التي

<<  <   >  >>