{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} يستعمل القرآن أسلوله الجذاب الآخذ مجامع القلوب والألباب، إذ يدعو إلى الصيام الذي فيه مصادمة للطبيعة ومقاومة لحاجة الغريزة من الطعام والشراب والمباشرة التي هي من مقومات الحياة، فهو يقرر أولا- أن الصوم وإن ظهر أنه مقاومة للطبيعة- فإنه قد استعمل وجرب ممن قبلكم، فلستم في تكليفكم به مظلومين ولا مكلفين بما ليس في إمكان الطاقة البشرية، ولستم في صومكم بمقدمين على مجهول أو غير مأمون العاقبة. ثم يقول ثانيا- إنه مع ذلك ليس إلا {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} ثلاثين أو تسعة وعشرين يوما من كل عام. ثم يقرر ثالثا- مبالغة في تهوينه وتيسييره على النفس- بأن من عجز عنه لمرض أو سفر تركه إلى أن يزول عجزه وعوضه بأيام أخر يكون فيها قادرا على الصوام. {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} فأي سماحة كسماحة هذا الدين؟ ثم أي أسلوب في الدعوة إلى المبادئ العليا كهذا الأسلوب؟
[التوبة]
من كرم الله ولطفه أنه يقبل التوبة عن عباده ليريهم أنه غني عنهم {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} ولكن التوبة التي يقبلها الله هي التي تأتي عقب الذنب مباشرة {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} أما الذين يقضون أيامهم في اجتراح السيئات وارتكاب الموبقات غير حاسبين لذلك حسابا ولا متخوفين عقابا، فأولئك لا يستحقون عفو الله ولا ينالون كرمه {وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ