ولا نقل أننا قلة ولا أننا عزل أو ليس لنا مدافع ولا قنابل ولا طائرات ولا دبابات ولا قنابل ذريات، إنما ينقصنا ما كان متوفرا لأسلافنا من القوة المعنوية، فحسب.
[فتح مكة في رمضان]
إن رمضان شهر الآنتصارات الحاسمة في تاريخ الإسلام على اعتبار أن الغزوتين اللتين كان لهما أبعد الأثر في دعوته وهما: غزوتا بدر وفتح مكة كانتا في هذا الشهر الخالد في الشهور على مدى الدهوه، وقد مر الكلام في غزوة بدر، أما فتح مكة فتشير إليه فاتحة الفتح:{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}.
وأبرز ما تصوره هذه الآيات أنها تبني لنبي الإسلام مجدا لا يطاول ولا تمتد إليه الأوهام، يبدأ هذا المجد من اعتباره مكافأة من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم الذي تؤديه لفظتا (فتحنا لك) هكذا فالفاتح هو الله لا محمد لأن الله هو الموفق والمعين أو أنه الفاعل الحقيقي لما يجري في الكون تناسقا مع مما تقدم في قوله تعالى: في يوم بدر {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وفي قوله: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ}. وليست سواعد المسلمين وعزائمهم إلا آلات تحركها يد القدر المدبرة الموجهة، والمفتوح له هو محمد صلى الله عليه وسلم الذي أخرج من مكة بلده المحبوب في سبيل نشر دين الله وجعل كلمته العليا وكلمة الذين كفروا السفلى، وإذن فالجزاء العادل يقتضى هذه المكافأه وتقديمها في عبارة مشعرة ولافتة إلى المعنى الذي اقتضاها، ففتح مكة- إذن- زيادة على أنه نصر لدين الله هو مكافأة ضخمة لمحمد صلى الله عليه وسلم وتكريم فخم له على كفاحه العظيم وحرصه الشديد على هداية قومه وصبره العجيب على ما لقيه في سبيل ذلك من آلام وأتعاب ومرارة واغتراب ثم يأتي بعد ذلك التفصيل:{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا * وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}. وأي تكريم بقي بعد هذا التكريم؟ وأي إنعام يأتي بعد هذا الإنعام؟ وأي أمل بقي لمحمد صلى الله عليه وسلم لم يصل إليه بعد أن يغمر الله ذنبه ويتم نعمته عليه ويهديه صراطه المستقيم وينصره النصر الذي سيعقبه كل نصر والذي أعزه الله به بعد ذل وقواه بعد ضعف وأشعر مهابته كل قلب.