إن الشيطان أعدى عدو للإنسان، قال تعالى:{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ}.
وهذه العداوة عميقة الجذور في التاريخ، ضاربة في القدم السحيق إذ نشأت يوم نشأ الإنسان الأول- آدم- وبرزت للوجود يوم أمر الله ملائكته بالسجود لهذا الإنسان {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ} ولكن هذه العداوة للبشر لم يجن منها إلا الشر الذي لم تجن مثله عداوة منذ عرف هذا الكون العداوة.
إذ صيرته شيطانا رجيما بعد أن كان ملكا كريما وعابدا عظيما، ولا عجب، فهذه العداوة هي عداوة الحسد التي يكون وقود نارها الحسود قبل المحسود كما قيل:(لله در الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله) فيجب أن يعتبر بذلك من يأكل الحسد قلبه.
وعداوة الحسد- كما أنها قديمة الميلاد عميقة الجذور في التاريخ- فهي باقيه على الزمان، مستعصية على سلطان الزوال، ولذا قيل:
كل العداوات قد ترجى إزالتها ... إلا عداوة من عاداك من حسد
لذا عمرت عداوة الشيطان للإنسان كل هذا التعمير، ورافقت وجوده منذ نشأته الأولى إلى ساعته الحاضرة، إذ أوحى بها الحسد الصريح الوقح الذي رشحت به عبارته الوقحة إذ {قَالَ - ردا على أمر الله له بالسجود! - أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}