إن أيام رمضان ولياليه فرصة ثمينة يتيحها الله لنا في كل عام لو عرفنا كيف نستغلها ونستفيد منها ومرحلة من مراحل العمر التي يجب أن نقف عندها في كل سنة من هذا السفر الطويل الموصول نستجم ونستريح ونتجرد من تكاليف المادة ونتحرر من شهوات الجسد ومطالب الحواس لنستطيع بعد ذلك أن نستأنف سيرنا في خفة ونشاط وقوه ومن أجل ذلك قول عليه الصلاة والسلام:"صوموا تصحوا" ولكن الناس- وقد صيروا صومهم عادة- جردوه من روحانيته وحولوه ميدانا يتسابقون فيه إلى إشباع شهواتهم الجسدية مبالغين مسرفين.
لقيني أحد معارفي من سكان العاصمة فسألته عن حاله فقال لي: إننا في جهد جهيد من الإستعداد لرمضان فقلت له: بماذا تستعد لرمضان؟ فأخذ يعدد لي ألوانا من مشتهيات الجسد، منها اللوز والسمن والعسل الخ ... فقلت له: يا أخي لقد جانبتم الصواب وحدتم عن الرشاد في هذا الاستعداد إن الاستعداد للصيام ليس في إعداد الحلوى أو الطعام، وإنما الاستعداد للصيام، بتنقية البطن من الحرام وتطهير القلب من الآثام، إن الصيام مخالفة للشهوات وليس مسابقة وتفرغا واستعدادا للشهوات، إن الصيام عبادة لا شهوة وإن الجنة حفت بالمكاره وإن النار حفت بالشهوات كما يقول عليه الصلاة، السلام:"إن الصيام تغليب للروح على المادة" وإن الصيام فترة راحة من الحركة الدائبة التي يقوم بها الجهاز الهضمي الضعيف سائر العام وإن الصوم جهاد للنفس ورياضة على التغلب على مكاره الحياة، وليس الصوم تدليلا للنفس وإرضاء لأنانيتها وتملقا لأهوائها والجانب الحيواني فيها وإن في الصيام مظهر تسوية