اقترح أحد الإخوان عرض نماذج من الأخلاق النبوية، فقلت له: إن أخلاق محمد صلى الله عليه وسلم يجب أن تكون قدوة تتبع لا مقالات تكتب، ولا خطبا تلقى، فإن هذا ربما قلل من قيمتها وجعلها من قبيل الحديث المعاد، والمنظر المتكرر الذي لا يلفت النظر، ولا يشغل الذهن، بل لقد ظهرت بوادر هذه الآفة واضحة للعيان، فمنذ أصبحت السيرة النبوية خطبا تلقى في الحفلات، ومقالات تكتب في الجرائد والمجلات، قل تأثر الناس بها، واهتداؤهم بنورها، عكس ما كان عليه سلف هذه الأمة، الذين لم يكونوا يعرفون هذه الحفلات، أو لم يكونوا بحاجة إليها، لأن صلتهم بهذه السيرة لم تنقطع حتى يجدوا أنفسم في حاجة إلى تجديدها بحفلات يقيمونها ليلة المولد من كل سنة، كما نفعل نحن الآن، وإنما كانت هذه السيرة دستورهم في الحياة على مدى الحياة، يسيرون على هداها، ويعملون بمقتضاها، ويدركون جيدا معنى قوله تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.
ورغم ذلك فإني أعرض- لقرائي الأفاضل- هذه النماذج الحية، والأقباس الروحيه، من الأخلاق النبوية، وأنا خجل من أنني ربما أعرضها للهوان والابتذال، لأنني أعلم أن حظها من أكثر القراء لا يتجاوز حد قراءتها، والإعجاب بها، ثم تنسى كما تنسى مواد القانون المنسوخة وشفيعي في ذلك قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ}.
كان صلى الله عليه وسلم عائدا بجيشه من بعض الغزوات، فأدركتهم شدة الحر، فتفرقوا في ظلال الأشجار، طلبا للراحة، وقصد الرسول صلى الله عليه وسلم شجرة، علق فيها سيفه ونام