قال يحى بن سعيد:" بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقيا فاقتضيتها وطلبت فقراء أعطيها لهم فلم أجد بها فقيرا ولم أجد من يأخذها فقد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فاشتريت بها رقابا فأعتقتهم" ليتعظ بهذا من لا يرى النور يشع إلا من الغرب ويعمي عن مشرق النور الحقيقي وهو الشرق ليحول المفتونون من أبناء الإسلام بالمدنيه الغربية أنظارهم صوب المشرق مطلع الشمس فإن ما بهرهم من بريق في بلاد الغرب لم يكن إلا أشعة هزيلة انبعثت من مشرق النور ومنبع الحضارات وهو الشرق يوم أن كان الشرق أستاذ الغرب. ولأمر ما جعل الله الشمس تطلع من الشرق لا من الغرب، لو بقي للمسلمين قلوب يفقهون بها، فإن الله الذي جعل الشمس تطلع من الشرق جعل الشرق أيضا مشرق الهدايات ومنبع الحضارات، ولكن المسلمين فقدوا أغلى شيء في الحياة وهو الإعتزاز بالنفس، إن المسلمين اليوم كل همهم في الحياة أن يعيشوا عالة على الناس، أن يعيشوا إمعات أن يكونوا تابعين لا متبوعين، أن يكونوا من القافلة في مؤخرتها بل {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} وقد كانوا (قبل أن يسلبوا الإعتزاز بالنفس) سادة الأمم وقادة العالم وحاملي مشعل العلم والحضارة يسير الناس على هداهم واقتفاء خطواتهم كانوا- إذ ذاك- متبوعين لا تابعين، وحاكمين لا محكومين، وأساتذه لا تلاميذ، وموجهين لا مقلدين، وفي مقدمة القافلة لا في مؤخرتها.
ليتعظ- إذن- أبناؤنا المتنكرون لماضيهم والمتمردون على قوميتهم والزاهدون في تراثهم بهذه النفحة العلوية من سجل ماضيهم المجيد الحافل بجلائل الأعمال والآثار، وليقفوا طويلا أمام هذه اللوحة الفنية من معرض تاريخهم الرائع العظيم.