الإصلاح وظيفة الأنبياء ووظيفة ورثة الأنبياء (العلماء) وأهم وجوه الإصلاح: الإصلاح بين الناس بتنقية قلوبهم من أشواك الضغائن وبذور الأحقاد كما أن من أكبر معاول الهدم والإفساد: الإفساد بين الناس بالسعي في بث الخلاف بينهم وإيقاد نار الفتنة في صفوفهم، وأكبر ثغرة يدخل منها الشيطان إلى قلب الإنسان أن يزين له كل ما يبعد ما بينه وبين أخيه كالغضب لأضعف سبب وكالشح بفضول أمواله، وكالغيبة والنميمة والكبر وما إليها مما يحدث الفجوات بين القلوب والوحشة بين النفوس، وإذا تباعدت القلوب لم تتقارب الأبدان وإذا تباغضت الصدور لم تتقابل الوجوه وإذا تشامتت الألسنة لم تتصافح الأيدى. ففي التقاطع التباغض وفي التباغض التخالف وفي التخالف التخاذل وفي التخاذل العجز وفي العجز الحرمان والشقاء ثم الإضمحلال والفناء وهي العاقبة السيئة التي حذر منها الإسلام إذ قال الله تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ}.
فإذا أردنا أن نصلح بين اثنين دبت الخصومة بينهما، فلنصلح أولا قلوبهما ولننزع ما في صدورهما من غل وما تنطوي عليه ضلوعهما من بغضاء وحقد، ولكن هل إلى ذلك من سبيل؟ هل من سبيل إلى التأليف بين قلبين تباغضا؟ نعم إنه لا أصعب من طب القلوب ولكن لكل داء دواء، ولداء القلوب دواؤه، ولكن دواء القلوب لا يخرج من الأرض ولكن ينزل من السماء إنه في دين الله وفي التذكير بالله، إنه في نفحات القرآن التي هبت على قلوب مشركي العرب فملأتها إيمانا بالله، وحولتها من ذلك العداء المستحكم بينها إلى ألفة جعلت الأعداء إخوانا وذلك هو قوله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:{لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}