بعد كتابة مقال (الحسد) خطر لي أن أستوفي الكلام في أصول المعصية الثلاثة التي هي (الحسد) و (الكبر) و (الحرص)، بالكلام على (الحرص)، أما الكبر فقد أخذ حظه في مقال الغرور.
الحرص، شبيه بأخويه:(الحسد) و (الكبر)، فإذا كان الحسد عدو الإنسانية لأنه يتمنى لها الحرمان، وكان (الكبر) لا يقل عن الحسد عداوة للإنسانية، لأنه يتكبر عليها ويطلب الاستعلاء على أبنائها بغير حق، فإن الحرص لا يتخلف عن أخويه في المضمار فهو يريد الإستئثار بكل شيء، والاستيلاء على الضروري والكمالي من مطالب العيش، ووسائل الحياة، إنه جوع النفس الذي لا يسده شيء، والذي عبر عنه أحسن تعبير قوله عليه الصلاة والسلام:(لو كان لابن آدم واديان من ذهب لتمنى الثالث ينفق منه) الحديث، هكذا:(لتمنى الثالث ينفق منه) فهو دائما يطلب المزيد، لا يقف عند حد كالذي يجرى وراء خياله، وكأن شاعر المهجر قد طاف خياله في هذا الأفق إذ قال:
جوع النفوس، هو الجوع الذي عجزت ... عن سده هذه الدنيا وما تسع
نعم جوع النفوس، هو الجوع الذي لا يشبع، هو الجوع الذي لا يسده شيء في هذه الدنيا، هو الجوع الذي شرد النوم عن عيون الأغنياء، ونفى الطمأنينة عن قلوبهم، حرمهم الكنز الذي لا يفنى، وهو القناعة، فعاشوا جياعا، لمان كانوا شياعا، وقضوا