أنصح للدعاة أن يتوفروا على دراسة القرآن ويعكفوا على تدبره، فإنه الأداة
القوية والوسيلة الفعالة في الدعوة إلى الله، وتوجيه القلوب إلى الخير، وارتياد الآفاق المجهولة للفضائل والكمالات، لأن للقرآن أسلوبه الخاص في التأثير على القلوب والسيطرة على المشاعر والأحاسيس، وحسبنا من ذلك قوله تعالى:{لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} وقوله: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى}. أي لكان هذا القرآن.
فلا عجب- إذن- أن تتأثر الطلائع الأولى من المسلمين بالقرآن ذلك التأثر
العجيب الأخذ بأزمة القلوب، مما لفت خصوم الدعوة ونبههم إلى أن يحولوا بينه وبين أسماع الناس حتى لا ينتصر الحق وينهزم الباطل، فيخسروا المعركة، ويقص القرآن علينا ذلك إذ يقول:{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ}.
وإذا كان القرآن بهذه المنزلة من قوة التأثير بحيث أن الجبال تخشع وتتصدع من خشية الله لسماعه، فإن الميت حقيقة هو الذي {يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَى عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا}.
الميت حقا ليس هو الذي فارقت روحه جسده فحسب ولكن الميت (أكثر من ذلك هو الذي روحه بين جنبيه ولا يسمع آيات ربه إذ تتلى عليه ومن حوله الجبال الصم تتأثر بسحرها وتتصدع من خشية الله عند سماعها: فلا عجب - بعد ذلك- أن يشبه القرآن هذا الصنف الرخيص من المخلوقات بالأموات إذ يقول: {إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ